وتأمل قضية سيدنا يوسف عليه السلام ؛ ما نال العز والملك حتى تحقق بالذل، والملك وكمال الغنى في النهاية لا يأتي إلا بعد كمال الفقر في البداية، وكمال العلم لا يأتي إلا بعد إظهار كمال الجهل، وكمال القوة لا يأتي إلا بعد كمال الضعف.. وهكذا جعل الله تعالى بحكمته الأشياء كامنة في أضدادها ؛ " تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه ". فالاجتباء يكون بعد الابتلاء، وإتمام النعم يكون بعد تقديم النقم، وذلك لتكون أحلى وأشهى، فيعرف قدرها ويتحقق منه شكرها، وهذا السر في تقديم أهوال يوم القيامة على دخول الجنة ؛ ليقع نعيمها في النفس كل موقع. ولا فرق بين جنة الزخارف، وجنة المعارف. (حُفت الجنة بالمكاره، وحُفت النار بالشهوات). والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٥٦
قلت :(يوسف) : عجمي، وفي سينه ثلاث لغات : الضم ـ وهو الأشهر ـ والفتح، والكسر.
يقول الحق جل جلاله :﴿لقد كان في يوسف وإخوته﴾ أي : في قصصهم ﴿آيات﴾ ؛ دلائل قدرة الله وحكمته، وعلامة نبوتك حيث أخبرتَ بها من غير تعلم. ففي ذلك آيات ﴿للسائلين﴾ أي : لمن سأل عن قصتهم. والمراد بإخوته : علاته العشرة، والعلات : أبناء أمهات لأب واحد، فكانوا إخوته لأبيه، وهم : يهوذا، ورَوْبيل، وشمعون، ولاوي، وريالون، ويشجر، ودينة من بنت خالته ليّا، تزوجها يعقوب أولاً، فلما توفيت تزوج
٢٥٨
راحيل، فولدت له بنيامين، ويوسف. وقيل : جمع بينهما، ولم يكن الجمع حينئذٍ محرماً. وأربعة آخرون من سُريتَيْن، وهم : دان، وتفثالى، وجاد، وآشر.