جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٠
الإشارة : لم يسمح يعقوب عليه السلام بفراق حبيبه ساعة، وكذلك العبد لا ينبغي أن يغفل عن سيده لحظة ؛ لأن الغفلة فراق، والذكر انجماع، والعبد لا صبر له عن سيده. وأنشدوا :
فلأَبكيَن على الفراق كما بكى
سفا لفُرقةِ يوسفٍ يعقوبُ
وَلأَدعُوَنَّكَ في الظلام كما دعا
عند البلية رَبّةُ أيوبُ
وأنشدوا أيضاً في ذم الغفلة :
غَفَلتَ عَنِ الأَيَّامِ يا أَخي فَانتَبِهْ
وَشَمِّرْ فإن الموتَ لا شك واقعْ
على أي شيءٍ هو حزنك قائم
جنود المنايا تأتيك فانهض وسارعْ
قيل : إن بعض الصالحين رأى أستاذه في المنام، فقال له : يا أستاذ، أي الحسرات عندكم أعظم ؟ قال : حسرة الغافلين، وأنشدوا :
تيقظ إلى التِّذكارفالعمر قد مضى
وحتى مَتَى ذا السكرُ من غفلة الهوى
ورأى ذو النون المصري بعض الصالحين في المنام، فقال له : ما فعل الله بك ؟
٢٦١
قال : أوقفني بين يديه، وقال : يا مدعي، ادعيت محبتي ثم غفلت عني. وأنشدوا :
تغافلت عن فهم الحقيقة بالهوى
فلا أُذنٌ تُصغِي ولا عينٌ تَذرِفُ
ضعفت ولكن في أمانيك قوةٌ
فيا تابعَ اللذاتِ كم تتخلفُ
ورأى عبد الله بن مسلمة والده في النوم، فقال له : يا أبت، كيف ترى حالك ؟ فقال له : يا ولدي عشنا غافلين. وأنشدوا :
غفلتَ وحادِي الموتِ يحدوك للبِلاَ
وجسمك يا مغرور أصبح معتلا
وحتى متى يا صاح بابك مغلق
أتاك نذير الموت والعمر قد ولّى
وقيل : ما أصاب يعقوب ما أصابه في ولده إلا من أجل خوفه عليه، وغفلته عن استيداعه ربه، ولو استودعه ربه لحفظه. لكن لا ينفع حذر من قدر. (وكان أمر الله قدراً مقدوراً).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٠