وفي رواية أخرى : أنه لما رأى صحة القميص ضحك، فقالوا له : الضحك والبكاء من فعل المجانين! فقال : أما بكائي فعلى يوسف لما رأيت الدم، وأما ضحكي، فإني لما رأيت صحة القميص رجوت أن الحديث غير صحيح، ولذلك ﴿قال بل سولتْ لكم أنفسكم أمراً﴾ أي : سهلت لكم، وهونت في أعينكم أمراً عظيماً حتى أقدمتم عليه. وقيل : لما سمع مقالهم غشي عليه إلى الصباح، وهم يبكون بأجمعهم، ويقولون بينهم : بئس ما فعلناه بيوسف ووالده، وأي عذر لنا عند الله. فلما أفاق نظر إلى أولاده، وقال : هكذا يا أولادي كان ظني فيكم، بئس ما فعلتم، وبئس ما سولت لكم أنفسكم ﴿فصبر جميل﴾ أي : فأمري صبري جميل. وفي الحديث :" الصبرُ الجميل الذي لا شكوى فيه إلى الخلق " ﴿واللَّهُ المستعانُ على ما تصفون﴾ أي : على احتمال ما تصفونه من هلاك ابني يوسف. وهذه الجريمة كانت قبل استنبائهم، إن صح أنهم تنبأوا. وقد تقدم في سورة البقرة الخلاف في نبوة الأسباط فراجعه.
الإشارة : في هذه الآية رجاء كبير لأهل العصيان، وبشارة وتأنيس لمن أراد مقام
٢٦٤
الإحسان بعد الإساءة والغفلة والنسيان، وذلك أن هؤلاء السادات فعلوا بيوسف عليه السلام ما فعلوا، فلما تابوا بعد هذا الفعل العظيم اجتباهم الحق تعالى، وتاب عليهم، وقربهم حتى صاروا أنبياء، على حد قول بعض العلماء. ولذلك قيل :[كم من خصوص خرجوا من اللصوص، وكم من عابد ناسك خرج من ظالم فاتك]. وفي الحكم :" من استغرب أن ينقذه الله من شهوته، وأن يخرجه من وجود غفلته، فقد استعجز القدرة الإلهية، وكان الله على كل شيء مقتدراً ". وللشافعي رضي الله عنه :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٦٢
فَلما قَسَا قَلبي وَضَاقَت مَذَاهِبِي
جَعَلتُ الرَجَا منِّي لِعَفْوكَ سُلَّمَا
تَعَاظَمَني ذَنبِي فَلَمَّا قَرَنتُهُ
بِعفوكَ رَبِّي كَانَ عَفوُكَ أَعظَمَا