﴿وكذلك مكَّنَّا ليوسف في الأرض﴾ أي : وكما مكنا محبته في قلب العزيز، أو كما مكناه في منزله، أو كما أنجيته، وعطفنا عليه العزيز مكناه في الأرض، ليتصرف فيها بالعدل، ﴿ولنُعلِمَهُ من تأويل الأحاديث﴾ ؛ أي : من تأويل كتب الله المتقدمة، أو من تأويل الأحكام الحادثة بين الناس ليحكم فيها بالعدل، أو من تعبير المنامات، ليستعد لها قبل حلولها. أي : كان القصد في إنجائه وتمكينه : إقامته العدل، وتْيسير أمور الناس، وليعلَمَ معاني كُتب الله وأحكامه فينفذها، ﴿والله غالبٌ على أمره﴾ : لا يرده شيء، ولا ينازعه فيما يريد جبار، ولا عنيد، أو غالب على أمر يوسف، فيدبر أمره بالحفظ والرعاية، والنصر والعز في عاقبة أمره، خلاف ما أراد به إخوته، ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ أن الأمر كله بيده، أو لا يفهمون لطائف صنعه، وخفايا لطفه.
﴿ولما بلغ أشده﴾ ؛ منتهى اشتداد جسمه، وكمال عقله. وتقدم تفسير الهروي له،
٢٦٧
وحده. وقيل : ما بين الثلاثين والأربعين، ﴿آتيناه حكماً﴾ : حكمة، وهي النبوة. أو العلم المؤيد بالعمل. أو حُكماً بين الناس بالعدل. ﴿وعلماً﴾ يعني : علم تأويل الأحاديث، أو علماً بأسرار الربوبية، وكيفية آداب العبودية. ﴿وكذلك نجزي المحسنين﴾ إذا كمل عقلهم، وتوفر آدابهم، وكمل تهذيبهم، آتيناهم الحكمة وكمال المعرفة. وفيه تنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ذلك جزاء على إحسانه وإتقانه عمله في عنفوان شبابه.
اَلإشارة : من ظن انفكاك لطف الله عن قدره ؛ فذلك لقصور نظره، لا سيما لطفه بالمتوجهين إليه، أو العارفين به الواصلين لحضرته. فكل ما ينزل بهم فإنما هو أقدار جارية، وأمداد سارية، وأنوار بهية، وألطاف خفية، تسبق لهم الأنوار قبل نزول الأقدار، فلا تحول حول قلوبهم الأكدار، ولا تغير قلوبَهم رؤية الأغيار، عند نزول شدائد الأقدار، يحفظ عليهم أسرار التوحيد، وينزل عليهم أنوار التأييد، عند نزول القضاء الشديد، والبلاء العتيد، ولابن الفارض رضي الله عنه :


الصفحة التالية
Icon