يقول الحق جل جلاله :﴿وما كان الله ليُعذبهم وأنت﴾ موجود ﴿فيهم﴾، ونازل بين أظهرهم، وقد جعلتلك رحمة للعالمين، خصوصاً عشيرتك الأقربين، ﴿وما كان الله مُعَذِّبَهُم وهم يستغفرون﴾ قيل : كانوا يقولون : غفرانك اللهم، فلما تركوه عُذبوا يوم بدر، وقيل : وفيهم من يستغفر، وهو من بقي فيهم من المؤمنين، فلما هاجروا كلهم عُذبوا، وقيل : على الفرض والتقدير، أي : ما كان الله ليعذبهم لو آمنوا واستغفروا.
قال بعض السلف : كان لنا أمانان من العذاب : النبي ﷺ والاستغفار، فلما مات النبي ﷺ ذهب الأمان الواحد وبقي الآخر، والمقصود من الآية : بيان ما كان الموجب لإمهاله لهم والتوقف على إجابة دعائهم، وهو وجوده ﷺ أو من يستغفر فيهم.
ثم قال تعالى :﴿وما لهم ألا يعذبهم الله﴾ أي : وأيُّ شيء يمنع من عذابهم ؟ وكيف لا يعذبون ﴿وهم يصُدُّون﴾ الناس ﴿عن المسجد الحرام﴾ ؟ أي : يمنعُون المتقين من المسجد الحرام، ويصدون رسوله عن الوصول إليه. ﴿وما كانوا أولياءَهُ﴾ المستحقين لولايته مع شركهم وكفرهم، وهو ردٌّ لما كانوا يقولون : نحن ولاة البيت الحرام ؛ فنصد من نشاء ونُدخل من نشاء. قال تعالى :﴿إنْ أولياؤُه إلا المتقون﴾ أي : ما المستحقون لولايته إلا المتقون، الذين يتقون الشرك والمعاصي ولا يعبدون فيه إلا الله، ويعظمونه، حق تعظيمه. ﴿ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون﴾ أن لا ولاية لهم عليه، وإنما الولاية لأهل الإيمان، وكأنه نبه بالأكثر على أن منهم من يعلم ذلك ويعاند أو أراد به الكل، كما يراد بالقلة العدم. قاله البيضاوي.