يقول الحق جل جلاله :﴿يا صاحبَي السجن﴾ أي : ساكنيه، أو يا صاحبي فيه ؛ ﴿أأرباب متفرقون﴾ : متعددون، ﴿خيرٌ أم اللهُ الواحدُ﴾ المتوحّد في الألوهية، ﴿القهّار﴾ : الغالب على أمره، لا يقاومه غيره، ﴿ما تعبدون﴾ أنتم ومن على دينكم من أهل مصر، ﴿من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم﴾ أي : ما تعبدون إلا مسميات أسماء من الحجارة، والخشب، سميتموها آلهة من غير حجة تدل على استحقاقها للعبادة. والمعنى : سميتم آلهة ما لا يستحق الألوهية، ثم عبدتموها. ﴿ما أنزل اللهُ بها﴾ أي : بعبادتها ﴿من سلطانٍ﴾ : من حجة ولا برهان. ﴿إن الحُكمُ﴾ في أمر العبادة ﴿إلا لله﴾ ؛ لأنه المستحق لها دون غيره، من حيث أنه الواجب لذاته، الموجد للكل، هو المالك لأمره، ﴿أمَر﴾ على لسان أنبيائه ﴿ألا تعبدوا إلا إياه﴾ ولا تعبدوا معه سواه ﴿ذلك الدين القيم﴾ القويم الذي لا عوج فيه، ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ دلائل توحيده، فيتخبطون في جهالتهم. قال البيضاوي : وهذا من التدرج في الدعوة وإلزام الحجة، بَيّن لهم أولاً : رجحان التوحيد على اتخاذ الآلهة على طريق الخطابة، ثم برهن على أن ما يُسمونها آلهة، ويعبدونها لا تستحق الألوهية، ثم دل على ما هو الحق القويم، والدين المستقيم، الذي لا يقتضي العقل غيره، ولا يرتضي العلم دونه. هـ.
الإشارة : كل من لم يجمع قلبه على مولاه، واتبع حظوظه وهواه، فله أرباب متفرقون بقدر ما يميل إليه قلبُه من هذا العرض الفاني. قال ابن عطية : وقد ابتلي بأرباب
٢٧٩
متفرقين من يخدم أبناء الدنيا، ويؤملهم. هـ. وفي الحديث :" خَابَ مَن رَجَى غير الله وضَلَّ سَعيُه، وطَابَ وقَتُ مَن وَثَقَ بِاللِّهِ " ولله در القائل :
حَرامٌ على مَنْ وَحّدَ الله رَبّهُ
وَأَفرَدَهُ أن يَجتَدي أَحَدَاً رَفدا
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٩
فَيَا صَاحِبي قِف بي عَلى الحقِّ وقفَةً
مُوتُ بَها وَجداً وأَحيَا بِها وَجداً