وَخَلِّ مُلوك الأرضِ تَجهَد جُهدَهَا
فّذا المُلكُ مُلكٌ لا يُباع ولا يُهدَى
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٧٩
قلت :(منهما) : يتعلق بظن، والظن يحتمل أن يكون بمعنى اليقين ؛ لأن قوله :(قضي الأمر) يقتضي ذلك، أو يبقى على بابه.
يقول الحق جل جلاله : قال يوسف :﴿يا صاحِبَي السجن﴾ المستفتيان عن الرؤيا، ﴿أما أحدُكُما﴾ وهو الساقي، ﴿فيسْقي ربه خمراً﴾ كما كان يسقيه قبلُ، ويعود إلى ما كان عليه، ﴿وأما الآخرُ فيُصلبُ فتأكلُ الطيرمن رأسه﴾، فقالا : كَذَبْنا ما رأينا شيئاً، فقال :﴿قُضِيَ الأمرُ الذي فيه تستفتيان﴾، سبق به القضاءُ في الأزل، وهو ما يؤول إليه أمركما، ولذلك وحده ولم يقل : قضي أمراكما. رُوي أنه لما دعاهما إلى التوحيد أسلم الساقي وأبى الخباز، فأخرج بعد ثلاث وصُلب.
﴿وقال للذي ظنَّ أنه ناج منهما﴾ يوسف، أي : تيقن، أو غلب على ظنه أنه ناجٍ منهما، إما عن وحي، على الأول، أو باجتهاد بسبب الرؤيا :﴿اذكُرني عند ربك﴾ ؛ عند سيدك، وهو المَلِك، وقل له : غلامٌ سُجنَ ظُلماً، لعله يُخلصني. قال ابن عطية : يحتمل أن يذكره بعلمه ومكانته، ويحتمل أن يذكره بمظلمته، وما امتحن به بغير حق. أو يذكره بهما. هـ. وقال الورتجبي : يحتمل أن قوله :﴿اذكرني عند ربك﴾ : عَرَّف له طريقتي مع الله حتى يعرفني أني رسول الله، ويطيعني في طاعة الله، وينجو بذلك من عذابه، ويصل إلى ثوابه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وليوحد الله تعالى، ويتخلص من كيد الشيطان، وما معه من الإنسان. هـ.
﴿فأنسَاهُ الشيطانُ ذكرَ ربه﴾ أي : فأنسى الساقي أن يذكر يوسف لربه. أو أنسي يوسفَ ذكرَ الله حتى استغاث بغير، فأدبه، ﴿فلبثَ في السجن﴾، وفي الحديث عنه ﷺ :
٢٨٠


الصفحة التالية
Icon