" رَحِمَ الله أخِي يُوسُف، لَوْ لَمْ يَقُل : اذْكرْنِي عند رَبِّك، لَمَا لَبِثَ في السِّجنِ سَبْعاً بَعدَ الخَمسِ ". روي أن جبريل عليه السلام أتاه بعد المقالة، فقال له : مَن أخرجك من الجُبِّ، وخلِّصك من القتل، وعَصَمَكَ من الفاحشة ؟ فقال : الله. فقال : كيف تعتصم بغيره، وتثق بالمخلوق، وترفع قصتك إليه، وتترك ربك ؟ ! قال : يا جبريل ؛ كلمات جرت على لساني، وأنا تائب لا أعود لمثلها. هـ. والاستعانة بالمخلوق، وإن كانت جائزة شرعاً، لكنها لا تليق بمقام الأقوياء. ﴿فلبث في السجن بضْعَ سنين﴾ البضع : من الثلاث إلى التسع. ؟ رُوي أن يوسف عليه السلام سجن خمس سنين أولاً، ثم سجن بعد المقالة سبع سنين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٠
الإشارة : النسيان والغفلة التي لا تثبت في القلب، والخواطر التي ترد وتذهب من أوصف البشرية التي لا تنافي الخصوصية، إذ لا انفكاك للعبد عنها. قال تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ [الأعراف : ٢٠١] فالطيف لا ينجو منه أحد ؛ لأنه من جملة أوصاف العبودية التي بها تعرف كمالات الربوبية. وقد قال تعالى في حق سيد العارفين :﴿وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ [الأعراف : ٢٠٠] ؛ فالعصمة التي تجب للأنبياء إنما هي مما يوجب نقصاً أن غضاً من مرتبتهم. وهذه الأمور إنما توجب كمالاً ؛ لأنها بها يتحقق كمال العبودية التي هي شرف العبد. فافهم وسلم، ولا تنتقد، فإن هذه الأمور لا يفهمها إلا العارفون بالله، دون غيرهم من أهل العلم الظاهر.