قالوا} : هذه ﴿أضغاثُ أحلام﴾ ؛ تخاليطها، جمع ضَغث، وأصله : ما جمع من أخلاط النبات وحُزم، فاستعير للرؤيا الكاذبة. وإنما جمعوا ﴿أحلام﴾ ؛ للمبالغة في وصف الحلم بالكذب. ثم قالوا :﴿ومن نحن بتأويل الأحلام بعالمين﴾، والمعنى : ليس لها تأويل عندنا ؛ لأنها أكاذيب الشيطان، وإنما التأويل للمنامات الصادقة.
﴿وقال الذي نجا منهما﴾ من صاحبي السجن، وهو الساقي، وكان حاضراً، ﴿وادَّكرَ بعد أُمة﴾ أي : وتذكر بعد جماعة من السنين، وهي سبع سنين، ﴿أنا أُنبئكم بتأويله فأرسلون﴾ إلى من عنده علمها، أو إلى السجن. رُوي أنه لما سمع مقالة الملك بكى، فقال الملك : ما لك تبكي ؟ قال : أيها الملك ؛ إن رؤياك هذه لا يعبرها إلا الغلام العبراني الذي في السجن، فتغير وجه الملك، وقال : إني نسيته، وما ذكرته منذ سبع سنين، ما خطر لي ببال. فقال الساقي : وأنا مثلك، فقال لهم الملك : وما يدريك أنه يعبر الرؤيا ؟ فحدثه بأمره، وأمر الساقي فقال له : امض إليه وسله، فقال : إني والله أستحي منه ؛ لأنه أوصاني ونسيت، فقال له : لا تستح منه ؛ لأنه يرى الخير والشر من مولاه فلا يلومك. فأتاه.
٢٨٢
فقال :﴿يوسفُ﴾ أي : يا يوسف، ﴿أيها الصّدّيق﴾ : المبالغ في الصدق. وإنما وصفه بالصِّدِّيقية لما جرب من أحواله، وما رأى من مناقبه، مع ما سمع من تعبير رؤياه ورؤيا صاحبه، ﴿افْتِنَا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات﴾ أي : أفتني في رؤيا ذلك واعبرها لي، ﴿لعلي أرجعُ إلى الناس﴾ أي : أعودُ إلى الملك ومن عنده، أو إلى أهل البلد ؛ إذ قيل : إن السجن كان خارجاً البلد. ﴿لعلهم يعلمون﴾ تأويلها. أو يعلمون فضلك ومكانتك. وإنما لم يجزم بعلمهم ؛ لأنه ربما اختُرِم دونه، أو لعلهم لا يفهمون ما يقول لهم.