﴿قال﴾ في تعبيرها :﴿تزرعون سبعَ سنينَ دأباً﴾ أي : على عادتكم المستمرة من الخصب والرخاء. ﴿فما حصدتُّم فَذَرُوهُ﴾ : اتركوه ﴿في سُنْبُله﴾ ؛ لئلا تأكله السوس، وهي نصيحة خارجة عن عبارة الرؤيا، ﴿إلا قليلاً مما تأكلون﴾ في تلك السنين، أي : لا تدرسوا منه إلا ما تحتاجون إلى أكله خاصة، وذلك أن أرض مصر لا يبقى فيها الطعام عامين. فعلمهم حيلة يبقى بها السنين المخصبة إلى السنين المجدبة، وهو أن يتركوه في سنبله غير مُدرَس ؛ فإن الحبة إذا بقيت في غشائها حُفظت بإذن الله.
﴿ثم يأتي من بعد ذلك سبع شِدَادٌ﴾ أي : ذات شدة وجوع ﴿يأكُلْنَ ما قدمتم لهن﴾ أي : يأكل أهلهن ما ادخرتم لأجلهن. أسند الأكل إلى السنين مجازاً ؛ تَطْبِيقاً بين المعبر والمعبر به، ﴿إلا قليلاً مما تحصنون﴾ أي : مما تخزنون وتخبئُون للزراعة والبذر. ﴿ثم يأتي من بعد ذلك عام يُغاث الناس﴾ أي : يغيثهم الله بالفرج من القحط، أو يغاث بالمطر، لكن مصر إنما تسقى من النيل. ﴿وفيه﴾ أيضاً ﴿يَعْصِرُون﴾ العنب والزيتون ؛ لكثرة الثمار. أو يعصرون الضروع لحلب اللبن ؛ لأجل الخصب. وهذه بشارة بشرهم بها بعد أن أوَّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخصبة. والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، وابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة. ولعله علم ما في السنة الثامنة من الخصب والرخاء بالوحي، أو بأن انتهاء الجدب لا يكون إلا بالخصب، وبأن سنة الله الجاربة أن يوسع على عباده بعد ما ضَيّق علهيم، لقوله :﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾ [الشرح : ٥]. والله تعالى أعلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨١


الصفحة التالية
Icon