الإشارة : الروح في أصل نشأتها علامة داركَةٌ، تكاشف بالأمور قبل وقوعها، إذا غابت عن إحساسها الذي حجبها عن ذلك العلم، ولو كانت من كافر إذا غاب عن حسها بنوم، أو اصطلام، عقل. فمن طهرها من دنس الشرك بالتوحيد، وغيبها عن شواغل الحس بالتفرغ والتجريد، رجعت إلى أصلها، وفاضت عليها العلوم التي كانت لها قبل التركيب في القالب الحسي، علماً وكشفاً. ولا شيء أنفع لها في الرجوع من السهر والجوع. وفي أسرار كثيرة حسية، ومعنوية، وبسببه جمع الله شمل يوسف بأبيه
٢٨٣
وإخوته. وبه أيضاً ملَّك اللَّهُ يوسف ونصره ومكنه في الأرض حتى ملك مصر وأهلها. ولذلك قال نبينا ـ عليه الصلاة والسلام - :" اللهم إعِنِّي عَلَيهم ـ أي على قريش ـ بِسبعٍ كَسَبع يُوسفَ " وذكر الغزالي في الإحياء، في أسرار الجوع، أربعين خصلة. وفي بعض الأثر :(أن الله تعالى عذب النفس بأنواع من العذاب، ومع كل عذاب يقول لها : من أنا ؟ فتقول هي : ومن أنا ؟ حتى عذبها بالجوع، فقالت : أنت ربي سبحانك الواحد القهار). والممدوح منه ؛ هو المتوسط دون إفراط ولا تفريط، كما قال البوصيري.
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوع ومِنْ شِبعٍ
فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنَ التُّخَمِ
وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨١


الصفحة التالية
Icon