يقول الحق جل جلاله : ولما جاء الرسول من عند يوسف بالتعبير، وسمعه الملك، تعجب منه، واستعظم علمه وعقله، وقال : لا ينبغي لمثل هذا أن يُسجن، ﴿ائتوني به فلما جاءه الرسولُ﴾ ليُخرجه، ﴿قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أيديهن﴾ : ما شأنهن حتى قطعن أيديهن، وهل رأين مني ميلاُ إليهن. وإنما تأنى في الخروج، وقدَّم سؤال النسوة، والفحص عن حاله ؛ ليظهر براءة ساحته، وليعلم الملك أنه سُجن ظلماً، فلا يقدر الحاسد أن يتوسل به إلى تقبيح أمره. وفيه دليل على أنه ينبغي أن يتقي مواضع التهم، ويجتهد، في نفيها، وفي الحديث :" مَنْ كََان يُؤمِنُ بِالله ِواليومِ االآخِر
٢٨٤
ِفلا يَقِفَنَّ مَواقِفَ التُّهَم ". وفيه دليل على حلمه وصبره، وعدم اهتباله بضيق السجن ؛ إذ لم يُجب الداعي ساعة دُعي بعد طول سجنه. ومن هذا المعنى تواضع معه نبينا ﷺ حيث قال " لَو لَبِثت في السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِي " ولم يذكر امرأة العزيز كرماً، ومراعاةً للأدب، ورعياً لذمام زوجها، وستراً لها. بل ذكر النسوة اللاتي قطعن أيديهن.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٤