ثم قال :﴿إن ربي بكيدهن عليم﴾ حين قلن لِي : أطع مولاتك. وفي عبارته تعظيم لكيدهن، والاسشهاد عليه بعلم الله، وبراءته مما قذف به، والوعيد لهن على كيدهن. ثم جمع الملك النسوة، وكُن ستاً أو سبعاً، مات منهن ثلاث ويوسف في السجن، وبقي أربع ومعهن امرأة العزيز، و ﴿قال﴾ لهن :﴿ما خطبكُنَّ﴾ ؛ ما شأنكن ﴿إذ راودتُنَّ﴾ أي : حين راودتن ﴿يوسفَ عن نفسه﴾، وأسند المراودة إلى جميعهن ؛ لأن المَلِك لم يتحقق أن امرأة العزيز هي التي راودته وحدها. ﴿قلنَ حاشَ لله﴾ ؛ تنزيهاً لله أن يعجز عن خلق عفيف مثله، أو تنزيهاً ليوسف أن يعصيه ؛ لأجل خوف الله. وهذا تبرئة ليوسف ولهن، أو لهن فقط. وتكون تبرئة يوسف في قولهن :﴿ما علمنا عليه من سُوءٍ﴾ : من ذنب.
﴿قالت امرأةُ العزيز الآن حَصْحَصَ الحق﴾ : أي : تبين ووضح، أو ثبت واستقر، ﴿أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين﴾ في قوله :﴿راودتني عن نفسي﴾ فلما رجع إليه الرسول، وذكر ما قالته النسوة، وما أقرت به امرأة العزيز، قال :﴿ذلك ليعلم أني لم أخُنْهُ بالغيب﴾ أي : فعلت ذلك التثبت والتأني في الخروج ليعلم العزيز أني لم أخنه في زوجته ﴿بالغيب﴾ في حال غيبته، أو بظهر الغيب وراء الأستار والأبواب المغلقة، بل تعففت عنها. ﴿وأن الله لا يهدي كيدَ الخائنين﴾ أي : لا ينفذه ولا يسدده. أو لا يهدي الخائنين ليكدهم. وأوقع الفعل على الكيد ؛ مبالغةً. وفيه تعريض بامرأة العزيز في خيانتها زوجها، وتوكيد لأمانته. رُوي عن ابن عباس أنه لما قال :﴿لم أخُنْهُ بالغيب﴾ قال جبريل عليه السلام : ولا حين هممت. فقال :﴿وما أُبرئُ نفسي﴾ لا أنزهها في عموم الأحوال، أو لا أزكيها على الدوام. قاله تواضعاً وإظهاراً للعبودية ؛ وتنبيهاً على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه، ولا العجب بحاله، بل إظهاراً لنعمة العصمة والتوفيق.


الصفحة التالية
Icon