ثم قال :﴿إنَّ النفسَ لأمارةٌ بالسوء﴾ بحيث إنها مائلة بالطبع إلى الشهوات، فتهُم بها، وتستعمل القوى والجوارح في نيلها في كل الأوقات، ﴿إلا ما رحم ربي﴾ : إلا وقت
٢٨٥
رحمة ربي بالعصمة والحفظ، أو : إلا ما رحم الله من النفوس فيعصمها من ذلك. وقيل : الاستثناء منقطع، أي : لكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة، ﴿إن ربي غفور رحيم﴾، يغفرما همت به النفوس، ويرحم من يشاء بالعصمة. أو يغفر للمستغفر ذنبه المعترف على نفسه، ويرحمه بالتقريب بعد تعرضه للإبعاد.
وقيل : إن قوله تعالى :﴿ذلك ليعلم أني لم أخُنْه بالغيب﴾ إلى هنا، هو من كلام زليخا. والأول أرجح.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٤
وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي﴾ أي : أجعله خاصتي وخلاصتي، أو أجعله خالصاً لنفسي. قال أولاً :﴿ائتوني به﴾ فقط، فلما تبين له حاله وظهر كماله، قال :﴿ائتوني به أستخلصه لنفسي﴾ رُوي أنه لما أراد ان يخرجه أرسل إليه بخلعة يأني فيها، وكان بين السجن والبلد : أربعة فراسخ، فقال يوسمف : لا أخرج من السجن حتى لا يبقى فيه أحد، فأمر الملك بخروج جميع مَن فيه. فلما خرج من السجن اغتسل وتنظف، ولبس ثياباً جدداً، فلما دخل على الملك، قال : اللهم إني أسألك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره. ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية، فقال : ما هذا اللسان ؟. فقال : لسان آبائي. وكان الملك يعرف سبعين لساناً، فكلمه بها، فأجابه بجميعها، فتعجب منه، فقال : أحب أن أسمع رؤياي، فحكاها، ونعت له البقرات والسنابل وأماكنها فأجلسه على السرير، وفوض إليه أمره. وهذا معنى قوله تعالى :﴿فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين﴾ أي : فلما أتوا به وكلمه وشاهد منه الرشد والدعاء، ﴿قال إنك اليوم﴾ عندنا ﴿مكينٌ﴾ أي : في مكانه ومنزلة، ﴿أمين﴾ : مؤتمن على كل شيء، ثم فوض إليه أمر المملكة.