يقول الحق جل جلاله :﴿وجاء إخوة يوسف﴾ إلى مصر للميرة، ﴿فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون﴾، إنما أنكروه ؛ لبعد العهد ولتغير سنه، ولأنهم فارقوه في سن الحداثة، ولتوهمهم أنه هللك، أو لقلة تأملهم في حاله ؛ لشدة هيبتهم إياه، أو لأنه كان مُلثّماً. رُوي أنهم دخلوا عليه في قصر مُلكه وهو في هيئة عظيمة من الملك، والتاج على رأسه، فقال لهم بعد أن عرفهم : من أنتم، وما أمركم، وما جاء بك إلى بلادي، ولعلكم عيون ؟ فقالوا : معاذ الله، نحن بنو أب واحد، وهو شيخ صدِّيق، نبي من الأنبياء، اسمه يعقوب. قال : كم أنتم. قالوا : كنا اثني عشر، فذهب أحدنا إلى البرية، فهلك. فقال : فكم أنتم ها هنا ؟ قالوا : عشرة. قال : فأين الحادي عشر ؟ قالوا : عند أبيه يتسلّى به عن الهالك، قال : فمن يشهد لكم ؟ قالوا : لا يعرفنا ها هنا من يشهد لنا. قال : فَدَعوا عندي بعضكم رهينة، وائتوني بأخ لكم من أبيكم حتى أصدقكم، فاقترعوا ؛ فأصابت شمعون.
٢٨٨
وهذا معنى قوله :﴿ولما جَهَّزَهُم بجَهَازهم﴾ أعطاهم ما اشتروا منه الطعام، وأوقر ركابهم ؛ ﴿قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم﴾ وهو : بنيامين ـ بكسر الباء ـ على وزن إسرائيل، قاله في القاموس. وقيل : كان يوسف عليه السلام يعطي لكل نفس حملاً، ولا يزيد عليه، فسألوه حِملاً زائداً لأخيهم من أبيهم ؛ فأعطاهم، وشرط عليهم أن يأتوا به ؛ ليعلم صدقهم. ثم قال لهم :﴿ألا ترَوْنَ أني أُوفي الكيلَ وأنا خيرُ المنزِلين﴾ للأضيافِ. قال لهم ذلك ؛ ترغيباً في رجوعهم، وقد كان أحسن ضيافتهم غاية الإحسان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٨٨


الصفحة التالية
Icon