رُوي أنه عليه السلام نادى صاحب المائدة، وقال له : لا تنزل هؤلاء بدار الغرباء، ولا بدار الأضياف، ولكن أدخلهم داري، وانصب لهم مائدة كما تنصبها لي، واحفظهم وأكرمهم. فسأله عنهم، فلم يجب، فبسط لهم الفرش والوسائد، فلما جن الليل أمر أن توضع بين أيديهم الموائد، والشماع، والمجامر، وهم ينظرون من كوة إلى دار الأضياف، وقد بلغ بهم الجهد، فكانوا يعطونهم قرصة شعير لكل أحد من الغرباء، وهم يرون ما بين أيديهم من الإكرام والطعام، وقد بلغ الحمل من الطعام ألفاً ومائتي دينار. فقال بعضهم لبعض : إن هذا المَلك أكرمنا بكرامة ما أكرم بها أحداً من الغرباء! فقال شمعون : لعل الملك سمع بذكر آبائنا فأكرمنا لأجلهم. وقال آخر : لعله أكرم فقرنا وفاقتنا. ويوسف عليه السلام ينظر إليهم من كوة ويسمع كلامهم، ويبكي. ثم قال لولده ميشا : اشدد وسطك بالمنطقة واخدم هؤلاء القوم، فقال له : من هم با أبت ؟ فقال : هم أعمامك يا بني، قال : يا أبت هؤلاء الذين باعوك ؟ قال : نعم، باعوني حتى صرت مَلك مصر، ما تقول يا بني، أحسَنُوا أو أساؤوا ؟ قال : بل أحسَنوا فما أقول لهم ؟ قال : لا تكلمهم، ولا تُفش لهم سراً حتى يأذن الله بذلك، فبقوا في الضيافة ثلاثاً أو أكثر، ثم جهزهم، وأرسلهم، وشرط عليم أن يأتوا بأخيه بنيامين. قال لهم :﴿فإن لم تأتوني به فلا كيلَ لكم عندي ولا تقربون﴾. أي : لا تدخلوا دياري ولا تقربوا ساحتي، ﴿قالوا سَنُراود عنه أباه﴾ أي : سنجهد في طلبه منه، ﴿وإنا لفاعلون﴾ ذلك، لا نتوانى فيه، ﴿وقال لفتيته﴾ ؛ لغلمانه الكيالين، وقرأ الأخوان وحفص :﴿لفتيانه﴾، بجمع الكثرة :﴿اجعلوابضاعتَهم﴾ أي : ثمنهم الذي اشتروا به، ﴿في رحالهم﴾ ؛ في أوعيتهم. فامر أن يجعل بضاعة كل واحد في رحله، وكانت نعالاً وأدَمَا. وإنما فعل ذلك يوسف تكرماً وتفضلاً عليهم، وترفقاً أن يأخذ ثمن الطعام منهم، وخوفاً من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به إليه.