قلت :(ما كان) : جواب " لما "، و(إلا حاجة) : استثناء منقطع. و(جزاؤه) : مبتدأ، و(من) : شرطية أو موصولة، وخبرها :(فهو جزاؤه)، والجملة : خبر جزاء الأول. أو (جزاؤه) : مبتدأ و(من) خبر، على حذف مضاف، أي : جزاؤه أخذ من وُجد في رحله، وتم الكلام، و(فهو جزاؤه) : جملة مستقلة تقريرية لما قبلها.
يقول الحق جل جلاله :﴿ولمّا دخلوا من حيثُ أمرهم ابُوهم﴾ أي : من أبواب متفرقة في البلد، ﴿ما كان يُغني عنهم﴾ أي : ما أغنى عنهم رأي يعقوب واتَّبَاعهم له ﴿من الله من شيء﴾ مما قضى عليهم، فاتُّهموا بالسرقة وظهرت عليهم، فأخذ بنيامين الذي كان الخوف عليه، وتضاعفت المصيبة على يعقوب، ﴿إلا حاجةً﴾ : لكن حاجة ﴿في نفس يعقوب﴾ يعني : شفقته عليهم، وتحرزه من أن يعانوا، ﴿قضاها﴾ ؛ أظهرها ووصى بها. ﴿وإنه لَذُو علم لمَا علمناه﴾ بالوحي ونصب الدليل. ولذلك قال :﴿وما أغنى عنكم من الله من شيء﴾ ؛ فلم يغتر بتدبيره، ففيه تنزيه ليعقوب عن الوقوف مع الأسباب والعوائد، ورفع إيهام وقوفه مع عالم الحكمة. ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ سر القدر ؛ وأنه لا ينفع منه الحذر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٣
قال ابن عطية : قوله :﴿ما كان يغني عنهم من الله من شيء﴾، معناه : ما درأ عنهم قدراً ؛ لأنه لو قَُضِي أن تصيبهم عين لأصابتهم، مفترقين أو مجتمعين. وإنما طمع يعقوب عليه السلام أن تصادف وصيته القدر في سلامتهم. ثم أثنى الله ـ عز وجل ـ على يعقوب بأنه لقن مما علمه الله من هذا المعنى، واندرج غيره في ذلك العموم، وقال : إن أكثر الناس ليس كذلك. هـ.


الصفحة التالية
Icon