﴿ولما دخلوا على يوسفَ آوى إليه أخاه﴾ أي : ضم إليه بنيامين على الطعام، أو في المنزل. رُوي أنه أضافهم، فأجلسهم اثنين اثنين، فبقي بنيامين وحيداً فبكى، وقال : لو كان يوسف حياً لجلس معي، فأجلسه معه على مائدته، ثم قال : لينزل كل اثنين بيتاً، وهذا لا ثاني له فيكون معي، فبات عنده، وقال له : أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك ؟ قال : من يجد إذاً مثلك، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، ﴿قال إني أنا أخوك﴾ وعرفه بنفسه، ﴿فلا تبتئس﴾ ولا تحزن ﴿بما كانوا يعملون﴾ في حقنا من الأذى، أو : لا تحزن بما يعمله فتياني، ولا تبالي بما تراه في تحيُّلي في أخذك.
﴿فلما جَهَّزهُم بجَهَازِهمْ جعل السِّقايةَ﴾، التي هي الصواع، ﴿في رَحْلِ أَخيه﴾،
٢٩٤
وهي إناء يشرب بها الملك، ويأكل فيها، وكان من فضة، وقيل : من ذهب. وقيل : كان صاعاً يُكال به. وقصد بجعله في رحل أخيه أن يحتال على إمساكه معه ؛ إذ كان شَرْعُ يعقوب أن من سرق استعبده المسروق منه. ﴿ثم أذَّن مؤَذِّنٌ﴾ بعد أن انصرفوا :﴿أيتها العير إنكُم لسارقون﴾، والخطاب لإخوة يوسف، وإنما استحل رميهم بالسرقة مع علمه بانهم أبرياء ؛ لما في ذلك من المصلحة في المآل، وبوحي لا محالة، وإرادة من الله تعالى عَنَتُهم بذلك، يقويه قوله تعالى :﴿كذلك كدنا ليوسف﴾، ويمكن من أن يكون فيه تورية، وفيها مندوحة عن الكذب، أي : إنكم لسارقون يوسف من أبيه، حين باعوه.
﴿قالوا وأقبلُوا عليهم ماذا تفقدون﴾ أي : أيُّ شيء ضاع منكم ؟ والفقد : غيبة الشيء عن الحس. ﴿قالوا نَفقِدُ صُوَاعَ الملكِ﴾ الذي يكيل به، أو يشرب فيه، ﴿ولمن جاء به حِمْلُ بعيرٍ﴾ من الطعام، ﴿وأنا به زعيم﴾ كفيل أؤديه إلى من رده. وفيه دليل على جواز الجعل، وضمان الجعل قبل تمام العمل. قاله البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon