﴿قالوا تالله لقد عَلِمْتُم ما جئنا لنُفسدَ في الأرض وما كنا سارقين﴾ فيما مضى، استشهدوا بعلمهم بديانتهم على براءه أنفسهم ؛ لما عرفوا منهم من الديانة والأمانة في دخولهم أرضهم، حتى كانوا يجعلون الأكمة في أفواه إبلهم ؛ لئلا تنال زرع الناس، ﴿قالوا فما جزاؤه﴾ أي : السارق، ﴿إن كنتم كاذبين﴾ في ادعاء البراءة. ﴿وقالوا جزاؤه مَن وُجِدَ في رَحْلهِ فهو جزاؤه﴾ ؛ يحبس في سرقته، ويُسْتَرَقّ للمسروق منه، وهذا كان قصد يوسف عليه السلام، وهي كانت شريعة يعقوب. وكانت أيضاً شريعتنا في أول الإسلام ثم نسخ بالقطع. ثم قالوا :﴿كذلك نجزي الظالمين﴾ بالسرقة.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٣
فَبَدأَ﴾
المؤذن أو يوسف ؛ لأنهم رُدُّوا إلى مصر، أي : بدأ في التفتيش، ﴿بأوعيتِهم قبلَ وعَاءِ أخيه﴾ بنيامين، تقية للتهمة، ﴿ثم استخرجها﴾ ؛ أي : السقاية، أو الصواع ؛ لأنه يُذكر ويُؤنث، ﴿من وعاءِ أخيه﴾ ﴿كذلك﴾، أي : مثل ذلك الكيد ﴿كِدْنَا ليوسفَ﴾ أي : علمناه الحيلة بالوحي في أخذ أخيه، ﴿ما كان ليَأخُذَ اخاه في دين الملك﴾ ملك مصر ؛ لأن دينه كان الضرب وتغريم ضعف ما أخذ دون الاسترقاق. ﴿إلا أن يشاءَ اللهُ﴾ أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك. أو : لكن أخذه بمشيئة الله وإرادته. ﴿نرفعُ درجات من نشاء﴾ بالعلم والعمل، كما رفعنا درجته، ﴿وفوق كلّ ذي علم عليم﴾ أرفع درجة منه.
قال البيضاوي : واحتج به من زعم أنه تعالى عالم بذاته ؛ إذ لو كان ذا علم لكان فوقه من هو أعلم منه ـ أي : لدخوله تعالى في عموم الآية ـ والجواب : أن المراد كل ذي علم من الخلق ؛ لأن الكلام فيهم، ولأن العليم هو الله تعالى. ومعناه : الذي له العلم البالغ، ولأنه لا فرق بينه وبين قولنا : فوق كل العلماء عليم، وهو مخصوص. هـ.
قلت : وقد ورد ثبوت العلم له تعالى في آيات وأحاديث. كقوله تعالى :﴿أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ [النساء : ١٦٦]
٢٩٥


الصفحة التالية
Icon