﴿أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ [هود : ١٤]، " وإني على عِلمٍ من عِلمِ اللهِ علَّمَنيهِ " إلى غير ذلك مما هو صريح في الرد عليهم. الإشارة : يؤخذ من قوله تعالى :﴿ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم﴾ : امتثال أمر الأب فيما يأمر وينهى. ولا فرق بين أب البشرية وأب الروحانية ـ وهو الشيخ ـ، فامتثال أمره واجب على المريد، ولو كان فيه حتف أنفه، وأمره مقدم على أمر الأب كما تقدم في سورة النساء. وقد قالوا : أركان التصوف ثلاث : الاجتماع، والاستماع، والاتباع. وقوله تعالى :﴿ما كان يُغني عنهم من الله شيء إلا حاجة...﴾ الخ : فيه الجمع بين مراعاة القدرة والحكمة، فالقدرة تقتضي التفويض ؛ إذ لا فعل لغير الله، والحكمة تقتضي الحذر، واستعمال الأسباب ؛ لأن الحكمة رداء للقدرة. فالكمال هو الجمع بينهما ؛ ستراً لأسرار الربوبية، فالباطن ينظر لتصريف القدرة، والظاهر يستعمل أستار الحكمة.
وقوله تعالى :﴿فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رَحْل أخيه...﴾ الآية. هذا من فعل أهل التصريف بالله، المأخوذين عنهم، لا يدخل تحت قواعد الشرع ؛ لأن فاعله مفعول به، أو ناظر بنور الله إلى غيب مشيئة الله، كأفعال الخضر عليه السلام. قال الورتجبي : إن الله سبحانه إذا خصَّ نبياً، أو ولياً أإلبسه صفاته بتدريج الحال ؛ ففي كل حالة له يكسوه نوراً من صفته، فمن جملة صفاته : كيد الأزل ومكر الأبد، فكسى علم كيده قلب يوسُفَ، حتى كاد برؤية كيد الله الأزلي، فعرفه فيه اسرار لطف صنائعه، وعلم حقائق أفعاله وقدرته. هـ.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٣