﴿فأسرَّها يوسفُ في نفسه ولم يُبدها لهم﴾ أي : أخفى هذه الإجابة، ولم يكذبهم فيها. أو : الحزازة التي وجد في نفسه من قولهم :﴿فقد سرق أخ له من قبل﴾ ؛ أي : أسر كراهية مقالتهم. أو : المقالة التي يفسرها قوله :﴿قال أنتم شرُّ مكاناً﴾ ؛ أي : قال في نفسه خفية : أنتم شر مكاناً، أي : انتم أقبح منزلة في السرقة بسرقتكم أخاكم، أو بسوء صنيعكم بما فعلتم معي. ﴿والله أعلم بما تَصِفُون﴾، وقد علم سبحاته أن الأمر ليس كما تصفون، فهو إشارة إلى كذبهم فيما نسبوا إليه من السرقة.
﴿قالوا يا أيها العزيزُ إن له أباً شيخاً كبيراً﴾ في السن، أو القدر، ذكروا حاله ؛ استعطافاً له، وكانوا أعلموه بشدة محبة أبيه فيه، ﴿فخُذ أحدَنا مكانه﴾ ؛ فإن أباه ثكلان، أي : حزين على أخيه الهالك، يستأنس به، ﴿إنا نراك من المحسنين﴾ إلينا، فأتمم إحسانك، أو من المتعودين الإحسان فلا تغير إحسانك. ﴿قال معاذَ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده﴾ فإنَّ أَخْذَ غيره ظلم، فلا آخذ أحداً مكانه ؛ ﴿إنا إذاً لظالمون﴾ في مذهبكم ؛ لأن الله أمرنا باسترقاق السارق ؛ فاسترقاق غيره ظلم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٦
الإشارة : النفس الأمارة من شأنها الانتصار، ودفع النقائص عنها والعار. والنفس المطمئنة من شأنها الاكتفاء بعلم الله، والرضا بما يجري به القضاء من عند الله، فإذا اختلجها شيء من الانتصار أَسَرَّتْه، ولم تخرجه إلى حالة الإظهار.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه : آداب الفقير المتجرد أربعة أشياء : الحرمة للأكابر، والرحمة للأصاغر، والانتصاف من نفسه، وعدم الانتصار لها. هـ. فالفقير إذا انتصر لنفسه فقد نقض العهد مع ربه، فيجب عليه التوبة. وقالوا :[الصوفي دمه هدر، وعرضه وماله مباح]. يعني : أنه لا ينتصر لنفسه، فكل من آذاه لا يخاف من جانبه ؛ فكأنه مباح، مع كونه حراماً بالشريعة، بل هو أشد حرمة من غيره. والله تعالى أعلم.
٢٩٧