جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٦
قلت :(نجياً) : حال، أي : انفردوا عن الناس مناجين. وإنما أفرده ؛ لأنه مصدر، أو بزنته. و(من قبل ما) : يحتمل أن تكون مزيدة ومصدرية مرفوعة بالابتداء، أي : تفريطكم في يوسف واقع من قبل هذا. قاله ابن جزي. وفيه نظر ؛ فإن الظرف المقطوع لا يقع خبراً، أوْ منصوبة بالعطف على مفعول (تعلموا)، أي : لم تعلموا أخذ ميثاق أبيكم، وتفريطكم في يوسف قبل هذا.
يقول الحق جل جلاله :﴿فلما استيأسوا﴾ ؛ أي يئسوا ﴿منه﴾ من يوسف أن يجيبهم إلى ما دعوه إليه من أخذ أحدهم مكان أخيهم، ﴿خَلَصُوا﴾ أي : تخلصوا من الناس، وانفردوا عنهم ﴿نجيّاً﴾ متناجين، يناجي بعضهم بعضاً : كيف وقع للصاع ؟ وكيف يتخلصون من عهد أبيهم ؟ ثم فسر تلك المناجاة :﴿قال كبيرُهمْ﴾ في السن، وهو رُوَيْبيل، أو في الرأي، وهو شمعون، وقيل يهوذا :﴿ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقاً من الله﴾ ؛ عهداً وثيقاً، وحلفتم له لتأتن بابنه إلا أن يُحاط بكم ؟ فكيف تصنعون معه، ﴿ومن قبلُ﴾ هذا ﴿فرطتم في يوسف﴾ واعتذرتم بالأعذار الكاذبة ؟ ﴿فلن أبرح الأرض﴾ ؛ فلن أفارق أرض مصر ﴿حتى يأذن لي أبي﴾ في الرجوع، ﴿أو يحكم الله لي﴾ : أو يقضي لي بالخروج منها، أو بتخليص أخي منهم قهراً، ﴿وهو خيرُ الحاكمين﴾ ؛ لأن حكمه لا يكون إلا بالحق.
رُوي أنهم كلموا العزيز في إطلاقه، فقال رويبيل، وقيل : يهوذا : أيها الملك، لتتركن أخانا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل، ووقف شعر جسده، فخرجت من ثيابه، فقال يوسف لابنه الصغير، واسمه نائل : قم إلى جنبه ومُسَّه، فمسه، وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم لا يسكن غضبه إلا إذا مسه أحد من آل يعقوب، فلما مسه ولد يوسف عليه السلام سكن غضبه، فقال : من هذا ؟ إن في هذا البلد لبذراً من بذر يعقوب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٢٩٨