وقيل : إنهم هموا بالقتال، وقال يهوذا لإخواته : تفرقوا في أسواق مصر، وأنا أصيح صيحة تشق مراريهم، فإذا سمعتم صوتي، فاخربوا يميناً وشمالاً، فلما غضب، وأراد أن
٢٩٨
يصيح مسه ولد يوسف فسكن، فلما لم يسمعوا صوته أتوا إليه فوجدوا قد سكن غضبه، فقال : إن هنا بذراً من آل يعقوب.
ثم قال لهم :﴿ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا أنّ ابنك سرق﴾ على ما شهدنا من ظاهر الأمر، ﴿وما شهدْنا إلا بما علمنا﴾ بأن رأينا الصاع استُخرج من وعائه. ﴿وما كنا للغيب حافظين﴾ أي ما كنا لباطن الأمر حافظين، فلا ندري أسرق، أو أحد دسه في وعائه ؟ أو ما كنا حين أعطيناك العهد حافظين للغيب، عالمين بالقدر المغيب، وأنك تصاب به كما أصبت بأخيه. ﴿واسأل القرية التي كنا فيها﴾ ؛ وهي القرية التي لحقهم فيها المنادي، أي : أرسل إليهم عن القصة إن اتهمتنا. " ﴿و﴾ سل أيضاً ﴿العيرَ﴾ : أهل العير، ﴿التي أقبلنا فيها﴾، والعير : جماعة الإبل. ﴿وإنا لصادقون﴾ فيما أخبرناك به. هذا تمام وصية كبيرهم. فلما رجعوا إلى أبيهم، وقالوا له ما قال لهم كبيرهم.
﴿قال﴾ لهم أبوهم :﴿بل سَوَّلت لكم أنفسُكم أمراً﴾ أي : زينت لكم أمراً فصنعتموه، وإلا فمن أين يدري الملك أن السارق يُؤخذ في السرقة، إذ ليست بشريعته، ﴿فصبر جميلٌ﴾ أي : فأمري صبر جميل، ﴿عسى اللهُ أن يأتيني بهم جميعاً﴾ ؛ بيوسف وبنيامين، وأخيهما الذي بقي بمصر ؛ ﴿إنه هو العليمُ﴾ بحالي وحالهم، ﴿الحكيم﴾ في تدبيره. رُوي أن عزرائيل دخل ذات يوم على يعقوب ـ عليهما السلام ـ فقال له يعقوب : جئت لقبض روحي، أو لقبض روح أحد من أولادي وأهلي ؟ قال : إنما جئت زائراً، فقال له : أقسمت عليك بالله إلا ما أخبرتني، هل قبضت روح يوسف ؟ فقال : لا، بل هو حي سَوِيّ، وهو ملك وله خزائن، وجنود وعبيد، وعن قريب يجمع الله شملك به. هـ.