قلت :(فعجب) : خبر، و(قولهم) : مبتدأ، و(أئذا كنا...) الخ ـ محكي به. واختلف القراء هنا، وفي مواضع من القرآن، فمنهم من قرأ بالاستفهام في الأول دون الثاني، ومنهم بالعكس، ومنهم من قرأ بالاستفهام فيهما. فمن قرأ بالاستفهام في الأول دون الثاني فإنما القصد هو الثاني ؛ لأنهم إنما أنكروا كون الإنسان يصير تراباً ثم يُبعث، وأما كونهم يصيرون تراباً فلا إنكار عندهم فيه. ومن قرأ بالاستفهام في الثاني فعلى الأصل، ومن قرأ بالاستفهام فيهما فزيادة تأكيد. والعامل في (إذا) محذوف دل عليه :
٣٢١
﴿لفي خلق جديد﴾ أي : أُنجَدد إذا... الخ.
يقول الحق جل جلاله :﴿وإن تعجب﴾ يا محمد من إنكارهم البعث ﴿فعجبٌ قولُهم﴾ أي : فقولهم حقيق بأن يتعجب منه، فإنَّ من قدر على إنشاء ما قصَّ عليك من عجائب السماوات والأرض، وأنواع الثمار على اختلاف أصنافها وألوانها، كانت الإعادة أيسر شيء عليه، فالآيات المعدودة، كما هي دالة على وجود المبدأ، فهي دالة على إمكان الإعادة، لأنها دالة على كمال قدرته تعالى. ثم فسر قولهم في الإنكار قالوا :﴿أَئذا كنا تراباً أئنا لفي خَلْقٍ جديد﴾ أي : أَنُجَدِّدُ إذا متنا، وكنا تراباً، ﴿أولئك﴾ القائلون ذلك، أو المنكرون البعث، ﴿الذين كفروا بربهم﴾ ؛ لأنهم كفروا صفة القدرة، ﴿وأولئك الأغلالُ في أعناقهم﴾ أي : مقيدون بالضلال، قد أحاط بهم الشقاء، ولا يُرجى خلاصهم. أو : يُغلّون يوم القيامة. ﴿وأولئك أصحابُ النار هم فيها خالدون﴾ لا ينفكون عنها. وتوسط ضمير الفصل ؛ التخصيص الخلود بالكفار، ففيه رد على المعتزلة. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon