وما عليك إلا الإتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات، لا مما يُقترح عليك. ﴿ولكل قوم هادٍ﴾ ؛ رسول يهديهم إلى الحق والصواب، مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم ؛ ففي زمن موسى عليه السلام كان الغالب عليهم السحر، فأوتي بالعصا تنقلب حية ؛ ليبطل سحرهم، وفي زمن عيسى عليه السلام كان الغالب عليهم الطب، فأوتي إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى الذي يعجزون عن مثله، وفي زمن نبينا محمد ﷺ كان الغالب عليهم البلاغة والفصاحة، بها كانوا يتباهون ويتناضلون، فأوتي القرآنَ العظيم، أعجز ببلاغته البلغاء والفصحاء. أو : لكل قوم هاد، يقدر على هدايتهم، وهو الله تعالى، أي : إنما عليك الإنذار، والله هو الهادي لمن يشاء، أو : ولكل قوم واعظ ومذكر من نَبِيِّ أو وَليّ. رُوي أنها لما نزلت قال رسول الله ﷺ " أنا المُنْذِرُ وَأنْتَ يا عَلِيُّ الهَادي ". ثم أردف ذلك ما يدل على كمال علمه وقدرته، وشمول قضائه وقدره ؛ تنبيهاً على أنه تعالى قادر على إنزال ما اقترحوه، وإنما لم يُنزله ؛ لعلمه بأن اقتراحهم كان عناداً لا استرشاداً. أو ان وقت الإنزال لم يحضر، فقال :﴿الله يعلمُ ما تحملُ كلُّ أنثى﴾ هل هو ذكر أو أنثى، أو تام أو ناقص، أو حسن أو قبيح. وهو من الخمس التي اختص بها. ﴿وما تَغِيضُ الأرحامُ وما تزداد﴾ أي : ما تنقص في الجثة بمرض الجنين او إسقاطه، وما تزداد بنمو الجنين إلى أمده أو أكثر. قال البيضاوي : مدة الحمل عندنا اربع سنين، وخمس عند مالك، وسنتان عند أبي حنيفة. رُوي أن الضحاك وُلد لسنتين، وهرم بن حيان لأربع سنين. وأعلى عدده لا حد له. ـ قلت : يعني مع تحققه ـ وقيل : المراد نقصان دم الحيض وزيادته. هـ. ﴿وكل شيء عنده بمقدار﴾ : بقدر محدود، ووقت مخصوص، لا يجاوزه، ولا ينقص عنه، فالحق ـ تعالى ـ خص كل حادث بوقت مخصوص معين، وهيأ له أسباباً تسوقه إليه على ما تقتضيه حكمته.


الصفحة التالية
Icon