واذكر أيضاً ﴿إذْ يُريكَهُمُ الله في منامك قليلاً﴾، كان ﷺ قد رأى الكفار في نومه قليلاً، فأخبر بذلك أصحابه، فقويت نفوسهم وتجرؤوا على قتالهم، وكانوا قليلاً في المعنى، ﴿ولو أراكَهُمْ كثيراً﴾ في الحس ﴿لفشلْتُمْ﴾ لجبنتم، ﴿ولتنازعتم في الأمر﴾ ؛ في أمر القتال، وتفرقت آراؤكم، ﴿ولكنَّ الله سلَّم﴾ أي : أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع ؛ ﴿إنه عليمٌ بذات الصدور﴾ أي : يعلم ما يكون فيها من الخواطر وما يغير أحوالها.
﴿و﴾ اذكر أيضاً ﴿إذْ يُريكموهم﴾ أي : يريكم الله الكفار، ﴿إذ التقيتم في أعينكم قليلاً﴾، حتى قال ابن مسعود لمن إلى جنبه : أتراهم سبعين ؟ فقال : أراهم مائة، تثبتاً وتصديقاً لرؤيا الرسول ﷺ، ﴿ويُقلِّلكم في أعينهم﴾، حتى قال أبو جهل : إن محمداً وأصحابه أَكَلَهُ جزور ـ بفتح الهمزة والكاف ـ جمع آكل ـ، أي : قدر ما يكفيهم جذور في أكلهم. قال البيضاوي : قللهم في أعينهم قبل التحام القتال ؛ ليجترئوا عليهم ولا يستعدوا لهم، ثم كثّرهم حين رأوهم مثليهم ؛ لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم، وهذا من عظائم آيات الله في تلك الوقعة، فإن البصر، وإن كان قد يرى الكثير قليلاً والقليل كثيراً،
٣٢
لكن لا على هذا الوجه ولا إلى هذا الحد، وإنما يتصور ذلك بصد الله الأبصارَ عن إبصار بعضٍ، مع التساوي في المرئي. هـ.


الصفحة التالية
Icon