وإنما فعل ذلك في الجهتين ؛ ﴿ليقضيَ الله أمراً كان مفعولاً﴾ أي : ليظهر الله أمراً كان سبق به القضاء والقدر، فكان مفعولاً في سابق العلم، لا محيد عنه، ومن شأن الحكمة إظهار الأسباب والعلل، كما أن من شأن القدرة إبراز ما سبق في الأزل، وإنما كرره ؛ لاختلاف الفعل المعلل به ؛ لأن الأول علة لالتقائهم من غير ميعاد، وهنا لتقليلهم في أعين الكفرة، أو للتنبيه على أن المطلوب من العبد هو النظر إلى سابق القدر، ليخف عليه ما يبرز منه من الشدائد والأهوال، ولذلك قال أثره :﴿وإلى الله تُرجع الأمور﴾، وإذا كانت الأمور كلها راجعة إلى الله تعالى فلا يسع العبد إلا الرضا والتسليم لكل ما يبرز منها، فكل ما يبرز من عند الحبيب حبيب. والله تعالى أعلم.
الإشارة : الأرواح والأسرار بالعُدوة القريبة من بحر الحقائق، ليس بينها وبينه إلا إظهار أدب العبودية، وهو الذي بين بحر الحقيقة والشريعة، والأنفس وسائر القواطع بالعدوة القصوى منه، والقلب، الذي هو الركب المنازع فيه، بينهما، أسفل من الروح، وفوق مقام النفس، الروح تريد أن تجذبه إليها ليسكن الحضرة، والنفس وجنودها تريد أن تميله إليها ليسكن وطن الغفلة معها، والحرب بينهما سجال تارة ترد عليه الواردات الإلهية، التي هي جند الروح، فتنزل عليه بغتة من غير ميعاد، فتجذبه إلى الحضرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١