﴿كذلك يَضْرِِبُ اللَّهُ الحقَّ والباطل﴾ ؛ فمثل الحق ـ وهو العلم بالله وبأحكامه ـ كمثل الأمطار الغزيرة، ومثل القلوب التي سكن فيها، وجرت حِكَمُه على ألسنة أهلها ؛ كالأودية والأنهار والخلجان، كلٌّ يحمل منه على قدره، وسعة صدره، ومثل الباطل الذي دمغه وذهب به ؛ كالزبد وخبث الحديد والنحاس، أو الذهب والفضة. وسيأتي في الإشارة تكميله إن شاء الله. ورُوِي مثل هذا عن ابن عباس. وإنكار ابن عطية له جمود، وتَذَكرْ حديث البخاري :" مثل ما بعثني الله به من الهدى... " الحديث، فإنه يشهد لذلك التأويل. وتقدم له بنفسه في قوله :﴿أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ﴾ [يوسف : ٣٩] ما يشير إلى تفسير أهل الإشارة والرموز. وراجع ما تقدم لنا في خطبة الكتاب يظهر لك الحق والصواب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣١
قال البيضاوي : مُثِّلَ الحقُّ في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء، فتسيل به
٣٣١
الأودية على قدر الحاجة والمصلحة، فتنفع به أنواع المنافع، ويمكن في الأرض، فيثبت بعضه في منابعه، ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والآبار، وبالفِلِزِّ الذي ينتفع به في صَوْغ الحلي، واتخاذ الأمتعة المختلفة، ويدوم ذلك مدة متطاولة. والباطلُ، في قلة نفعه وسرعة ذهابه، بزبدهما، وبيَّن ذلك بقوله :﴿فأما الزَّبدُ فيذهب جُفَاءً﴾، أي : مَرْمياً به، من جفاه : رمى به وأبعده، أي : يرمى به السيل والفلز المذاب. هـ. ﴿وأما ما ينفع الناس﴾ كالماء، وخالص الذهب أو الحديد، ﴿فيمكثُ في الأرض﴾ لينتفع به أهلها. ﴿كذلك يضرب اللهُ الأمثالَ﴾ لإيضاح المشكلات المعنوية، بالمحسوسات المرئية.


الصفحة التالية
Icon