﴿للذين استجابوا لربهم﴾ بالإيمان والطاعة، ﴿الحسنى﴾ أي : المثوبة الحسنى، أو الجنة. ﴿والذين لم يستجيبوا له﴾ من الكفرة ﴿لو أنَّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به﴾ من هول ذلك المطلع. أو : يضرب الأمثال للذين استجابوا الاستجابة الحسنى، والذين لم يستجيبوا له. ثم بيَّن مثال غير المستجيبين بقوله :﴿لو أن لهم...﴾ إلخ. ﴿أولئك لهم سُوءُ الحساب﴾ ؛ أقبحة وأشده، وهو أن يناقش فيه، بأن يحاسبَ العبد على كل ذنب، ولا يغفر منه شيء، ﴿ومأولهم﴾ : مرجعهم ﴿جهنمُ وبئس المهادُ﴾ ؛ الفراش والمستقر، والمخصوص محذوف، أي : هذا.
الإشارة : قد اشتملت الآية على أمثلة : مثال للعلم النافع، ومثال للعمل الخالص، وللحال الصافي. فمثَّل الحقُّ تعالى العلم النافع بالمطر النازل من السماء، فإنه تحيا به الأرض، وتجري به الأودية والعيون والآبار، ويحبس في الخلجان والقدور لنفع الناس، وتتطهر به الأرض من الخبث ؛ لأنه ترمى به السيول، فيذهب جفاء، كذلك العلم النافع تحيا به النفوس بعد الموت بالجهل والشك، وتحيا به الأرواح بعد موتها بالغفلة والحجاب، وتمتلئ به القلوب على قدر وسعها وسعتها، وعلى قدر ما قُسم لهم من علم اليقين، أو عين اليقين، أو حق اليقين، وتتطهر به النفوس من البدع وسائر المعاصي.
ومثَّل العمل الخالص الذي تَصَفَّى من الرياء والعجب وسائر العلل، بالحديد المصفى من خبثه ؛ لتصنع منه السيوف والآلات، أو النحاس المصفى لتصنع منه الأواني، وغيرها مما ينفع به الناس.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣١


الصفحة التالية
Icon