ومثَّل الحال الصافي من العلل بالذهب المصفى أو الفضة، إذا صفيت وذهب خبثها ؛ ليصنع بهما الحلي والحلل ؛ ليتزين بها أهلها، فأشار إلى المثال الأول ـ وهو ا لعلم ـ بقوله :﴿أنزل من السماء ماء﴾ إلخ. وأشار إلى الحال بقوله :﴿ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية﴾، وأشار إلى العمل بقوله :﴿أو متاع زبد مثله﴾. وقدَّم الحال لشرفه، ومثَّله بالذهب والفضة ؛ لزيادة الرغبة فيه ؛ لأنه ثمرة العمل، ومرجعه إلى الوجدان والأذواق، وهو عزيز لا يجده إلا المقربون.
٣٣٢
والحاصل : أن المراتب أربعة : العلم، والعمل، والحال، والمقام. وإنما لم يضرب الحق تعالى مثلاً للمقام ؛ لأن النزول فيه لا يكون إلا بعد التصفية، فليس فيه علة، يحتاج إلى التصفية منها. فمقامات اليقين كلها يجري فيها العلم، والعمل، والحال، والمقام. فالتوبة مثلاً : يتعلق العلم بمعرفة حقيقتها وفضليتها، ثم يسعى في العمل بالمجاهدة والرياضة حتى يذهب زبده وخبثه، حتى يذوق حلاوة الاستقامة مع بقية الخوف من السقوط، وهذا هو الحال، ثم تطمئن النفس، وترسخ التوبة النصوح، وهذا هو المقام. وكذلك الصبر، يتعلق به العلم أولاً ثم يسعى في مرارة استعماله حتى يذوق حلاوة الشدة والفاقة ثم يرسخ فيه، وهكذا يجري في المقامات كلها... وهي اثنا عشر مقاماً : التوبة، والخوف، والرجاء، والورع، والزهد، والصبر، والشكر، والرضى، والتسليم، والمحبة، والمراقبة، والمشاهدة، وهي : بروج شمس المعرفة، وقمر التوحيد. وكذلك معرفة الشهود والعيان : يتعلق العلم أولاً بأسرار التوحيد، ثم يعمل في خرق عوائد نفسه حتى تموت، فيشرق عليها أنوار التوحيد، غير أنها تظهر وتخفى، ثم يصير الشهود مقاماً، رسوخاً وتمكيناً.