يقول الحق جل جلاله :﴿أفمن يعلم انما أنزِلَ إليك من ربك﴾ هو ﴿الحقُّ﴾ فيستجيب له، وينقاد له ﴿كَمَنْ هو أعمى﴾ عمى القلب، لا يستجيب ولا يستبصر ؟ أنكر الحق ـ جل جلاله ـ على من اشتبه عليه الحق من الباطل، بعدما ضرب المثل، فإن الأمور المعنوية، إذا ضرب لها الأمثال المحسوسة، صارت في غاية الوضوح لا تخفى إلاَّ على الخفاشة، الذين انطمس نور قلوبهم بالكفر أو المعاصي. ولذلك قال :﴿إنما يتذكر أولو الألباب﴾ ؛ ذوو العقول الصافية والقلوب المنورة، التي تطهرت من كدر العوائد والشهوات، ولم تركن إلى المألوفات والمحسوسات.
ثم وصفهم بقوله :﴿الذين يُوفون بعهد الله﴾ ؛ ما عقدوه على نفوسهم من معرفة عظمة الربوبية والقيام بوظائف العبودية، حين قالوا :﴿بلى﴾. ﴿ولا ينقُضُون الميثاق﴾ ؛ ما أوثقوه على نفوسهم، وتحملوه من المواثيق التي بينهم وبين الله، وبينهم وبين عباد الله. وهو تعميم بعد تخصيص ؛ تأكيداً على الوفاء بالعهود. ﴿والذين يَصِلُونَ ما أمر الله به أن يُوصَلَ﴾ من الرحم، وموالاة المؤمنين، وحُضور مجالس الصالحين، والعلماء العاملين، والاقتداء بقولهم والاهتداء بهديهم. ﴿ويَخْشَون ربهم﴾ : غضبه، وعذابه، أو إبعاده وطرده، ﴿ويخافون سوءَ الحساب﴾ : مناقشته، فيحاسبون أنفسهم قبل ان يُحاسبوا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٣


الصفحة التالية
Icon