والذين صَبرُوا} على مشاق الطاعة وترك المخالفة، أو على ما تكرهه النفوس، ويخالفه الهوى. فعلوا ذلك ﴿ابتِغَاءَ وَجهِ ربهم﴾ ؛ طلباً لرضاه، أو لرؤية وجهه وشهود ذاته، لا فخراً ورياء، وطلباً لحظ نفساني. ﴿وأقاموا الصلاة﴾ المفروضة، بحيث حافظوا على شروطها وأركانها، وحضور السر فيها، ﴿وأنفقوا مما رزقناهم﴾ من الأموال فرضاً ونفلاً، ﴿سِراً وعلانيةً﴾ ؛ إن تحقق الإخلاص، وإلا تعيَّن الإسرار. أو سراً لمن لا يعرف بالمال، وجهراً لمن يعرف به ؛ لئلا يُتهم، أو ليُقتدى به. ﴿ويدرءُونَ بالحسنةِ السيئَةِ﴾ أي : يدفعون الخصلةَ السيئة بالخصلة الحسنة، فيجازون الإساءة بالإحسان ؛ امتثالاً لقوله تعالى :﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ﴾ [المؤمنون " ٩٦]، أو : يدفعون الشرك بقول :" لا إله إلا الله "، أو يفعلون الحسنات فيدرؤون بها السيئات، كقوله ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾
٣٣٤
[هود : ١١٤]. قيل : نزلت في الأنصار. وهي عامة.
ثم ذكر جزاءهم، فقال :﴿أولئك لهم عُقْبَى الدَّارِ﴾ أي : عاقبة دار الدنيا وما يؤول إليه أهلُها. وهي : الجنة التي فسَّرها بقوله :﴿جناتُ عَدنٍ﴾ أي : إقامة، ﴿يدخُلونها﴾ مخلدين فيها. والعدْن : الإقامة، وقيل : هي بطنان الجنة، أي : مداخلها لا ربضُها، فيدخلونها ﴿ومن صَلَحَ من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم﴾ أي : يَلْحَقُ بهم مَنْ صلح من أهلهم، وإن لم يبلغوا في العمل مبلغهم، بتعاً لهم وتعظمياً لشأنهم، أو بشفاعتهم لهم. وهو دليل على أن الدرجة تعلو بالشفاعة، وأن الموصوفين بتلك الصفات يقرب بعضهم من بعض ـ لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنة ؛ زيادة في أُنسهم لكن يقع التفاوت في الدرجات والنعيم والقرب، على قدر اجتهادهم في التحقق بتلك الصفات، والدؤوب عليها. والتقييد بالصلاح يدل على أن مجرد الانتساب لا ينفع من غير عمل.


الصفحة التالية
Icon