يقول الحق جل جلاله :﴿والذين ينقُضُون عهد اللهِ...﴾ الذي اخذه عليهم في عالم الذر، حيث قال :﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىا﴾ [الأعراف : ١٧٢]، ثم كفروا به بعد بعث الرسل المنبهين عليه. أو ينقضون العهود فيما بينهم وبين عباد الله، أن أعطوا ذلك من أنفسهم، ﴿ويقطعونَ ما أمر اللهُ به أن يُوصل﴾ من الأرحام، أو ممن يدل على الله من الأنبياء، والعلماء الأتقياء ؛ فإنَّ الله أمر بوصلهم، ﴿ويُفسدون في الأرض﴾ بالظلم والمعاصي، وتهييج الفتن، ﴿أولئك لهم اللعنةُ﴾ : البُعد والطرد من رحمة الله، ﴿ولهم سُوءُ الدَّارِ﴾ : سوء عاقبة الدار، وهو العذاب والهوان، حيث اغتروا في الدنيا بسعة الأرزاق، وظنوا أن ذلك من علامة إقبال الحق.
ولم يدروا أن الله ﴿يبسُطُ الرزقَ لمن يشاءُ﴾، ولو كان من أهل الشقاء، ﴿ويَقْدِرُ﴾ يُضيقه على من يشاء، ولو كان من أهل السعادة والعناية، ﴿وفرحُوا بالحياة الدنيا﴾ واطمأنوا بها، وقنعوا بنعيمها الفاني، ﴿وما الحياةُ الدنيا﴾ في جنب الآخرة ﴿إلا متاعٌ﴾ ؛ إلا متعة لا تدوم، كعُجَالة الراكب وزاد الراعي. وفي الحديث عنه ﷺ :" مَا لي وللدُّنْيَا إِنَّما مثلي ومَثَلُ الدُّنيا كَرَاكبٍ سَافَرَ في يَوْمٍ صائِفٍ، فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرةٍ، ثم رَاحَ عَنْها وَتَركَهَا " والمعنى : أنهم أشِروا بما نالوا من الدنيا، ولم يصرفوها فيما يستوجبون به نعيم الآخرة، واغتروا بما هو في جنبه نزر قليل النفع، سريع الزوال. قاله البيضاوي.