الإشارة : لا شيء أفسد على المريد من نقض عهود المشايخ، والرجوع عن صحبتهم ؛ فإنه لمَّا دخل في حماهم انقبض عنه الشيطان والدنيا والهوى، وأسفوا عليه، فإذا رجع إليهم، واتصلوا به، فعلوا به ما لم يفعلوا بغيره ؛ كمن هرب من عدوه ثم اتصل به. وتنسحب عليه الآية من قوله :﴿والذين ينقضون عهد الله﴾ إلى قوله :﴿أولئك لهم اللعنة﴾ ؛ أي : البُعد عن الحضرة، ﴿ولهم سوء الدار﴾ وهو : غم الحجاب والبقاء من وراء الباب. فإذا رجعت إليه الدنيا يقال له :﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ ؛ فلا تغتر ولا تفرح بالعرض الفاني، فما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع قليل، ثم التحسر الوبيل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٥
يقول الحق جل جلاله :﴿ويقولُ الذين كفروا﴾ من أهل مكة :﴿لولا أنزل عليه آيةٌ﴾ ظاهرة ﴿من ربه﴾ كما أنزلتْ على مَنْ قبله فنؤمن حينئذٍ ؟ ﴿قل﴾ لهم :﴿إنَّ اللَّهَ يُضلُّ مَن يشاء﴾ بعد ظهور الآيات والمعجزات. وليس الإيمان والهداية بيد العبد في الحقيقة.
٣٣٦
﴿ويهدي إليه من أناب﴾ أي : من أقْبل ورجع عن عناده من غير احتياج إلى معجزة. قال البيضاوي : وهو جواب، يجري التعجب من قولهم، كأنه قال : قل لهم ما أعظم عنادكم! ﴿إن الله يُضِلُّ من يشاء﴾ ممن كان على صفتكم، فلا سبيل إلى اهتدائه، وإن نزلت كل آية، ويهدي إليه من أناب لما جئت به، بل بأدنى منه من الآيات. هـ.
الإشارة : تقدم مراراً أن من سبقت له من عند الله عناية الخصوصية، لم يتوقف على ظهور آية. ومن لم يسبق له شيء في الخصوصية لا ينفع فيه ألف آية. فالله يضل من يشاء عن دخول حضرته، ولو رأى من أولياء زمانه ما رأى، ويهدي إلى حضرته من أناب، ورجع بلا سبب. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣٦


الصفحة التالية
Icon