قلت : الموصول : بدل ممن أناب، أو خبر عن مضمر، أي : هم. والموصول الثاني بدل ثانٍ، أو مبتدأ، وجملة (طوبى) : خبر، وهي فُعْلى، من الطيب، كبشرى من البشارة، قلبت ياؤها واواً ؛ لضم ما قبلها، ومعناها : أصبت خيراً وطيباً. وقيل : شجرة في الجنة. وسوغ الابتداء بها : ما فيها من معنى الدعاء.
يقول الحق جل جلاله : في وصف من سبقت له الهداية واتصفت بالإنابة : هم ﴿الذين آمنوا﴾ بالله وبرسوله إيماناً تمكَّن من قلوبهم، واطمأنت إليه نفوسُهم ؛ فإذا حركتهم الخواطر والهواجم، أو فتن الزمان وأهواله ﴿تطمئن قلوبُهم بذِكرِ اللهِ﴾، وترتاح بذكر الله ؛ أُنساً به، واعتماداً عليه ورجاء منه، أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته، أو بذكر آلائه، ودلائله الدالة على وجوده ووحدانيته، أو بكلامه القرآن، الذي هو أقوى المعجزات. قاله البيضاوي. وقال في القوت : معنى تطمئن بذكر الله : تهش وتستأنس به. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرَّحمن الفاسي بعد كلام : والحاصل أن المراد من الطمأنينة : السكون إلى المذكور، والأنس به. ووجود الرَّوْحِ والفرح والانشراح، والغنى به. هـ.
قال تعالى :﴿ألا بذِكْرِ الله تطمئن القلوبُ﴾ لا بغيره، فلا تسكن إلا إليه، ولا تعتمد إلا عليه ؛ فإن سكنت إلى غيره ذهب نورها، وعظم قلقها. ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات طُوبَى لهم﴾ أي : لهم عيش طيب وحياة طيبة. أو الجنة، أو شجرة فيها، ﴿وحُسنُ مآبٍ﴾ أي : مرجع يرجعون إليه بعد الموت.
الإشارة : الطمأنينة على قسمين : طمأنينة إيمان وطمأنينة شهود وعيان. قوم اطمأنوا إلى غائب موجود، وقوم إلى آخر مشهود. قوم اطمأنوا بوجود الله من طريق الإيمان على
٣٣٧
نعت الدليل والبرهان، وقوم اطمأنوا بشهود الله من طريق العيان على نعت الذوق والوجدان. وهذه ثمرة الإكثار من ذكر الله.


الصفحة التالية
Icon