يقول الحق جل جلاله : قد أرسلنا قبلك رسلاً فأنذروا وبشروا قومهم، ﴿كذلك أرسلناك﴾ أي : مثل ذلك الإرسال أرسلناك في أمة، أو كما هدينا من أناب إلينا اختصصناك برسالتنا، ﴿في أُمةٍ قد خَلتْ﴾ ؛ مضت ﴿من قبلها﴾ أي : تقدمها ﴿أممٌ﴾ أرسل إليهم رسلهم ؛ فليس ببدع إرسالك إلى هذه الأمة الأمية، ﴿لِتَتلُوَ عليهم الذي أوحينا إليك﴾ : لتقرأ عليهم الكتاب، الذي أوحينا إليك، والحالة أنهم ﴿يكفرون بالرحمن﴾ أي : بالبليغ الرحمة التي أحاطت بهم نعمته، ووسعت كل شيء رحمته، فلم يشكروا ما أنعم به عليهم، وخصوصاً إرسالك إليهم، وإنزال القرآن عليهم، الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية. قيل : نزلت في أبي جهل، وقيل : في قريش حين قالوا : لا نعرف الرحمن، والمعنى : أرسلناك إليهم رحمة لتتلوا عليهم ما هو مناط الرحمة، ﴿وهم يكفرون بالرحمن﴾ ـ، والحال : أنهم يكفرون ببليغ الرحمة. ﴿قل هو ربي﴾ أي : الرحمن خالقي ومتولي أمري، ﴿لا إله إلا هو﴾، لا مستحق للعبادة غيره، ﴿عليه توكلتُ﴾ في أموري، ومن جملتها نصري عليكم. ﴿وإليه مَتَابِ﴾ ؛ مرجعي في أموري كلها، لا أرجع إلى أحد غيره، ولا أتعلق بشيء سواه.
الإشارة : قد بعث الله في كل عارفاً بالله يحيي به الدين، ويعرف الطريق إلى رب العالمين ؛ فالأرض لا تخلو ممن يقوم بالحجة، غير أنهم تارة يخفون، لفساد الزمان، وتارة يظهرون ؛ رحمة للأنام. فإذا وقع الإنكار عليهم، أو استغرب وجودهم، يقال لهم : كذلك أرسلنا في كل أمة نذيراً، وداعياً، فإرسالكم أنتم وإظهاركم ليس ببدع، لتعلموا الناس ما أوحي إليكم من طريق الإلهام ؛ فإظهاركم رحمة، وهم يكفرون هذه النعمة. فاعتمدوا على الرحمن، وثقوا بالواحد المنان، وراجعوا إليه في كل حال وشأن. فمن توكل عليه كفاه، ومن التجأ إليه حماه.
٣٤٠
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٠
جواب (لو) : محذوف، أي : لم يؤمنوا ؛ لسابق الشقاء، أو : لكان هذا القرآن، وسيأتي بيانه.


الصفحة التالية
Icon