﴿ولا يزال الذين كفروا﴾ من قريش والعرب، ﴿تُصيبُهم بما صنعوا﴾ من الكفر والمعاصي، ﴿قارِعةٌ﴾ داهية تقرعهم ؛ تقلقهم، وتصيبهم في أنفسهم وأولادهم وأموالهم. أو غزوات المسلمين إليهم، إمَّا أن تنزل بهم ﴿أو تَحُلُّ قريباً من دارهم﴾ فيفزعون منها وتتطاير إليهم شررها. وقيل : نزلت في كفار مكة، فإنهم لا يزالون مصابين بما صنعوا برسول الله ﷺ، وكان لا يزال يبعث السرايا، فتُغير حواليهم وتختطف أموالهم. وعلى هذا يجوز أن يكون ضمير ﴿تَحُل﴾ خطاباً للرسول ﷺ أي : تحل بجيشك قريباً من دراهم، ﴿حتى يأتي وعد الله﴾ بالموت أو بالبعث أو فتح مكة. ﴿إنَّ الله لا يُخلف الميعاد﴾ ؛ لامتناع الخلف في وعده تعالى.
الإشارة : لو أن عارفاً بالله سيَّر الجبال عن أماكنها وفجر الأرض عيوناً، وكلمه الموتى لما آمن بخصوصيته إلا من سبقت له عناية الخصوصية. فلو شاء الله لهدى الناس إلى معرفته جميعاً. لكن الحكمة اقتضت وجود الخلاف، قال تعالى :﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود : ١١٨]، فمن لم يهتد إلى معرفتهم لا يزال تطرقه قوارع الشكوك والأوهام، وخواطر السوء، أو تحل قريباً من قلبه، إن لم تتمكن فيه، حتى يأتي وعد الله بحضور موته، فقد يتداركه اللطف والرعاية، وقد يتسع الخرق عليه فيموت على الشك، والعياذ بالله. بخلاف من صَحِبَ أهل الطمأنينة واليقين، ولا يموت إلا على اليقين ؛ لأن همة الشيوخ قد حَلَّقَتْ عليه، والعناية قد حفت به. والله ولي المتقين.
قال أبو الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه :(والله لا يكون الشيخ شيخاً حتى تكون يده مع الفقير أينما ذهب)، والمراد باليد : الهمة والحفظ. ووقت الموت أولى بالحضور، وقد شاهدنا ذلك من إخواننا ممن حضره الموت منهم، أخبر أنه يرى شيخه حاضراً معه. فللَّهِ الحمد والمنة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤١