﴿وكذلك أنزلناه﴾ أي : ومثل هذا الإنزال المشتمل على أصول الدين المجمع عليها، ﴿أنزلناه حُكْماً عربياً﴾ أي : يحكم في القضايا والوقائع، بما تقتضيه الحكمة، مترجماً بلسان العرب ؛ ليسهل عليهم فهمه وحفظه. ﴿ولئن اتبعتَ أهواءَهُم﴾ التي يدعونك إليها ؛ كتقرير دينهم، والصلاة إلى قبلتهم بعدما حُوِّلْتَ عنها، ﴿بعد ما جاءَك من العِلم﴾ بنسخ ذلك، ﴿ما لك من اللهِ من ولِيٍّ﴾ ينصرك، ﴿ولا واقٍ﴾ يقيك عتابه. وهو حسم لأطماعهم، وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٥
الإشارة : الفرح بما أُنزل من عند الله هو مقدمات الفرح بالله، فإذا رفعت أكنة الغفلة عن القلب تلذذ بسماع الخطاب من وراء الباب، وذلك أمارة القرب. وهذا مقام أهل المراقبة من المحبين. فإذا جدَّ في السير رُفعت عنه الحجب والأستار، وواجهته الأنوار والأسرار، فيكاشف بأسرار الذات وأنوار الصفات، فيتلذذ بشهود المتكلم، فيسمع حينئذٍ الكلام من المتكلّم به بلا واسطة. وهذا مقام أهل الشهود من المحبين المقربين. (ومن الأحزاب)، وهم أهل الرئاسة والجاه، من ينكر وجود بعض هذه المقامات ؛ تعصباً وحمية. أو ينسبها لنفسه غلطاً وجهلاً، فيقول له من تحقق بهذا المقام : إنما أمرتُ أن أعبد الله ولا أشرك به، إليه أدعو وإليه مآب. ويغيب عنه بالاشتغال بالله، وبالدعاء إليه، فإن غفل واشتغل به، أو ركن إلى قوله، قيل له : ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ؛ ما لك من الله من وليِّ ولا واق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٤٥


الصفحة التالية
Icon