يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد ارسلنا رُسُلاً من قَبلكَ﴾ يا محمد، ﴿وجعلنا لهم أزواجاً﴾ كثيرة : كداود عليه السلام ؛ كان له مائة امرأة، وابنه كان له ألف، على ما قيل، وغيرهما من الأنبياء والرسل. ﴿و﴾ جعلنا لهم منهن ﴿ذُريةً﴾، وأنت يا محمد منهم ؛ فليس ببدع أن يكون الرسول بشراً، يتزوج النساء، ويحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر، إلا
٣٤٦
أنه لا يشغله ذلك عن أداء الرسالة، ونصيحة الأمة، وإظهار شريعة الدين، والقيام بحقوق رب العالمين. ولما أجابهم بشبهتهم قالوا : أظهر لنا معجزة كما كانت لهم، كالعصا وفلق البحر، وإحياء الموتى ؟ فإنزل الله ﴿وما كان لرسول﴾ ؛ ما صح له ولم يكن في وسعه ﴿أن يأتي بآيةٍ﴾ تُقترح عليه، ويظهرها ﴿إلا بإذن الله﴾ وإرادته ؛ فإنه القادر على ذلك. ﴿لكل أجلٍ﴾ من آجال بني آدم وغيرهم، ﴿كتابٌ﴾ يُكتب فيه وقت موته، وانتقاله من الدنيا.
﴿يمحو الله ما يشاء﴾ من ديوان الأحياء، فيكتب في الأموات، ﴿ويُثبتُ﴾ من لا يموت. قيل : إن هذا الكتاب يُكتب ليلة القدر، أو ليلة النصف من شعبان، ويجمع بينهما بأن الكتابة تقع ليلة النصف، وإبرازه للملائكة ليلة القدر، ﴿وعنده أُمُّ الكتاب﴾ أي : الأصل المنسوخ منه كتب الآجال، وهو اللوح المحفوظ، أو العلم القديم. وهذا التفسير يناسب اقتراح الآيات ؛ لأنهم إذا أجيبوا بظهور الآية ولم يؤمنوا، عوجلوا بالهلاك، وذلك له كتاب محدود. قال الورتجبي : بيَّن الحق ـ سبحانه ـ أن أوان إتيان الآية بأجل معلوم في وقت معروف، بقوله :﴿لكل أجل كتاب﴾ أي : لكل مقدور في الأزل في قضية مرادة وقت معلوم في علم الله، لا يأتي إلا في وقته. هـ.


الصفحة التالية
Icon