﴿وأطيعوا الله ورسوله﴾ فيما يأمركم به وينهاكم عنه ؛ فإن الطاعة مفتاح الخيرات، ﴿ولا تنازعوا﴾ باختلاف الآراء كما فعلتم في شأن الأنفال، ﴿فتفشلوا﴾ وتجبنوا، ﴿وتذهب ريحُكم﴾ أي : ريح نصركم بانقطاع دولتكم، شبه النصر والدولة بهبوب الريح ؛ من حيث إنها تمشي على مرادها، لا يقدر أحد أن يردها، وقيل : المراد بها الريح حقيقة، فإن النصرة لا تكون إلا بريح يبعثه الله من ناحية المنصور تذهب إلى ناحية المخذول. وفي الحديث :" نُصِرتُ بالصِّبَا، وأُهْلِكَتْ عَادٌ بالدَّبُورِ ". ﴿واصبروا إن الله مع الصابرين﴾ بالمعونة والكلاءة والنصر.
﴿ولا تكونُوا كالذين خرجُوا من ديارهم﴾، يعني : أهل مكة، خرجوا ﴿بطراً﴾ أي : فخراً وشَرّاً ﴿ورئاء الناس﴾ ؛ ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة، وذلك أنهم لما بلغوا الجحفة أتاهم رسولُ أبي سفيان، يقول لهم : ارجعوا فقد سلمت عيركم، فقال أبو جهل : لا والله حتى نأتي بدراً، ونشرب بها الخمور، وتغني علينا القيان، ونطعم بها من حضرنا من العرب، فتسمع بنا سائر العرب، فتهابُنا، فوافوها، ولكن سُقوا بها كأس المنايا، وناحت عليهم النوائح ؛ مما نزل بهم من البلايا، فنهى الله المؤمنين أن يكون أمثالهم بطرين مراءين، وأمرهم أن يكونوا أهل تقوى وإخلاص، لأن النهي عن الشيء امرٌ بضده. ﴿ويصدّون عن سبيل الله﴾ أي : خرجوا ليصدوا الناس عن طريق الله، باتباع طريقهم، ﴿والله بما يعملون محيطٌ﴾ فيجازيهم عليه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٣
الإشارة : خاطب الله المتوجهين إليه، السائرين إلى حضرته، وأمرهم بالثبوت ودوام السير، وبالصبر ولزوم الذكر عند ملاقاة القواطع والشواغب، وكل ما يصدهم عن طريق الحضرة، وذلك بالغيبة عنه والاشتغال بالله عنه، وعدم الإصغاء إلى خوضه وتكديره، فمن صبر ظفر، ومن دام على السير وصل، وأمرهم ايضاً بطاعة الله ورسوله، ومن يدلهم على
٣٤