يقول الحق جل جلاله :﴿ولقد ارسلنا موسى بأياتنا﴾ ؛ كاليد والعصا، وسائر معجزاته التسع، وقلنا له :﴿أن أخرج قومَك﴾ ؛ بني إسرائيل، وفرعون وملأه ؛ ﴿من الظلمات إلى النور﴾ من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، أما فرعون وملؤه فظاهر، وأما بنو أسرائيل فقد كان فرعون فَتَنَ جُلّهم، وأضلهم مع القبط، فكانوا أشياعاً متفرقين، لم يبق لهم دين. فإن قلتَ : إذا كان موسى عليه السلام مبعوثاً إلى القبط، فِلمَ لَمْ يرجع إليهم بعد خروجه عنهم إلى الشام ؟ فالجواب : أنه لما بلَّغهم الرسالة قامت الحجة عليهم، فيجب عليهم أن يهاجروا إليه للدين.
ثم أمره بالتذكير فقال :﴿وذكِّرْهُم بأيامِ الله﴾ : بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة قبلهم، وأيام العرب : حروبها. أو ذكِّرهم بِنَعم الله وآلائه، وبنقمه وبلاءه ؛ فالأيام تطلق على المعنيّين. ﴿إنَّ في ذلك لآياتٍ لكل صبارٍ﴾ في بلائه، ﴿شكور﴾ لنعمائه، وإنما خصه ؛ لأنه إذا سمع ما نزل على من قبله من البلاء، وأُفِيض عليهم من النعماء، اعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر. وقيل : المراد لكل مؤمن، وإنما عبَّر بذلك ؛ تنبيهاً على أن الصبر والشكر عنوان الإيمان. قاله البيضاوي.
﴿وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمةَ الله عليكم إذ أنجاكم﴾ : حين أنجاكم ﴿من آلِ فرعونَ﴾ : رهطه، ﴿يسومونكم﴾ : يُولونكم ﴿سُوء العذابِ﴾ : أقبحه يستعبدونكم ويُكلفونكم مشاق الأعمال، ﴿ويُذبِّحُون أبناءكم ويستحْيون نساءكم﴾، قال البيضاوي : المراد بالعذاب هنا غير المراد به في سورتَيْ البقرة والأعراف ؛ لأنه هناك مفسر بالتذبيح والقتل، ومعطوف عليه هنا، فهو هنا إما جنس العذاب، أو استعبادهم واستعمالهم بالأعمال الشاقة. هـ. ﴿وفي ذلكم﴾ الامتحان ﴿بلاء﴾ أي : ابتلاء ﴿من ربكم عظيم﴾ ؛ اختبركم به حتى أنقذكم منه، ليعظم شكركم، أو : في ذلك الإنجاء بلاء، أي : نعمة
٣٥٦
واختبار عظيم، لينظر كيف تعملون في شكر هذه النعمة.