يقول الحق جل جلاله : حاكياً عن نبيه موسى عليه السلام في تذكير قومه، أو من كلامه ؛ تذكيراً لهذه الأمة ﴿ألم يأتكم نبأ الذين مِن قبلكم﴾ : ما جرى عليهم حين عصوا أنبياءهم ؛ ﴿قوم نوح وعادٍ وثمود والذين من بعدهم﴾ كقوم شعيب، وأمم كثيرة ﴿لا يعلمهم إلا اللهُ﴾ ؛ لكثرة عددهم، واندراس آثارهم. ولذلك قال ابن مسعود : كذب النسَّابُون. ﴿جاءتهم رسلهم بالبيناتِ﴾ ؛ بالمعجزات الواضحات، ﴿فرَدُّوا أيديَهُمْ في أفواههم﴾ ؛ ليعضوا عليها ؛ غيظاً مما جاءت به الرسل كقوله ﴿عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ ﴿آل عمران : ١١٩﴾. أو : وضعوها عليها ؛ تعجباً منهم، أو : استهزاءً بهم، كمن غلب عليه الضحك. أو إسكاتاً للأنبياء، وأمراً لهم بإطباق الأفواه، أو : ردوها في أفواه الأنبياء، يمنعونهم من التكلم، أو : ردوا أيديهم، أي : نِعَم الأنبياء عليهم، وهي : مواعظهم والشرائع التي أتوهم بها من عند الله، ردوها في أفواه الأنبياء حيث كذبوها، ولم يعملوا بها، كما تقول لمن لم يمتثل أمرك : ترك كلامي في فمي وذهب. ﴿وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتُمْ به﴾ على زعمكم، ﴿وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه﴾ من التوحيد والإيمان، ﴿مُريب﴾ : مُوقع في الريبة، أو : ذي ريبة، وهو : قلق النفس بحيث لا تطمئن إلى شيء.
فإجابهم الرسل عن دعواهم الشك في الربوبية، ﴿قالت رُسُلُهم أفي الله شكٌّ﴾ : أفي وجوده شك، أو في ألوهيته، أو في وحدانيته شك ؟ قال البيضاوي : أُدخلت همزة الإنكار على الظرف ؛ لأن الكلام في المشكوك فيه، لا في الشك، أي : إنما ندعوكم إلى الله، وهو لا يحتمل الشك ؛ لكثرة الأدلة، وظهور دلالتها عليه. هـ. وأشار إلى ذلك بقوله :
٣٥٨