الإشارة : التفكر والاعتبار أفضل عبادة الأبرار، وفي الحديث :" تفكر ساعة أفضل من عبادة سبعين سنة " فيتفكر العبد فيما سلف قبله من القرون الماضية والأمم الخالية، كيف رحلوا عن ديارهم المشيدة، وفروشهم الممهدة، واستبدلوها بضيق القبور، وافتراش التراب تحت الجُنوب، وجاءهم الموت وهم غافلون، وتجرعوا كأسها وهم كارهون، فلا ما كانوا أمّلوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم رجعوا قدِموا على ما قدَّموا، وندموا على ما خلفوا، ولم ينفع الندم وقد جف القلم، فيوجب هذا التفكرُ الانحياش إلى الله، والمسارعة إلى طاعة الله، والزهد في هذه الدار الفانية، والتأهب للسفر إلى الدار الباقية ؛ فيفوز فوزاً عظيماً. وفي تكذيب الصادقين تسلية للعارفين، وللمتوجهين من المريدين، إذا قُوبلوا بالإيذاء والتكذيب، وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٨
يقول الحق جل جلاله : وقال الذين كفروا لرسلهم :﴿إنْ أنتم إلا بشرٌ مثلُنا﴾ لا فضل لكم علينا، فَلِمَ تختصمون بالنبوة دوننا، ولو شاء الله أن يبعث رسلاً إلى البشر لأرسلهم من جنس أفضل، كالملائكة، أو : ما أنتم إلا بشر، والبشر لا يكون رسولاً. قال ابن جزي : يحتمل أن يكون استبعاداً لتفضيل بعض البشر على بعض بالنبوة، أو يكون إحالة لنبوة البشر، والأول أظهر ؛ لطلبهم البرهان بقولهم :﴿فأتونا بسلطان مبينٍ﴾، ولقول الرسل :﴿ولكن الله يَمُنُّ على من يشاءُ من عباده﴾. هـ. ثم قالوا للرسل :﴿تُريدون أن تَصدُّونَا عما كان يعبدُ آباؤُنا﴾ من الأصنام بهذه الدعوى، ﴿فأتونا بسلطانٍ مبين﴾ : ببرهان بيِّن يدل على فضلكم، واستحقاقكم لهذه المرتبة التي هي مرتبة النبوة، كأنهم لم يعتبروا ما جاؤوا به من البينات والحجج، فاقترحوا عليهم آية أخرى، تعنتاً ولجاجاً.