﴿قالت لهم رُسُلهم إن نحن﴾ : ما نحن ﴿إلا بشر مثلُكم ولكن الله يَمُنُّ على من يشاءُ من عباده﴾ بالنبوة والرسالة، فمَنَّ علينا بذلك، وإن كنا بشراً مثلكم، سلّموا لهم مشاركتهم في الجنس، وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة فضل الله ومَنَّهُ عليهم. وفيه دليل على ان النبوة مواهب عطائية لا كسبية. ثم أجابوا عما اقترحوا بقولهم :﴿وما كان لنا أن نأتيَكم بسلطانٍ إلا بإذنِ الله﴾، فليس لنا الإتيان بآيات، ولا في قدرتنا أن نأتيكم بما اقترحتموه، وإنما هو أمر متعلق بمشيئة الله، يخص من يشاء بها، على ما تقتضيه حكمته وسابق إرادته.
﴿
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥٩
وعلى الله فليتوكَّل المؤمنون﴾
، فلنتوكل نحن عليه، في الصبر على معاناتكم ومعاداتكم. عمموا الأمر بذكر المؤمنين ؛ للإشعار بأن الإيمان موجب للتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصداً أولياً، ألا ترى قولهم :﴿وما لنا ألا نتوكل على الله﴾ أي : أيُّ عذر لنا في ترك التوكل على الله ؟ ﴿وقد هَدَانَا سُبُلنا﴾ أي : طرقنا التي نعرفه بها، فنوحده، ونعلم أن الأمور كلها بيده، ﴿ولَنصْبِرَنَّ على ما آذيتمونا﴾ : على أذاكم حتى يحكم الله بيننا، وهو جواب عن قسم محذوف، أكدوا به توكلهم، وعدم مبالاتهم بما يجري من الكفار عليهم. ﴿وعلى الله فليتوكل المتوكلون﴾ أي : فليثبت المتوكلون على ما استحدثوه من توكلهم، المسبب عن إيمانهم. قاله البيضاوي تبعاً للزمخشري.
قال ابن جزي : إن قيل : لِمَ كرر الأمر بالتوكل ؟ فالجواب عندي : أن قوله :﴿وعلى الله فليتوكل المتوكلون﴾ راجع إلى ما تقدم من طلب الكفار :﴿فأتونا بسلطان مبين﴾ أي : حجة ظاهرة، فتوكل الرسل في ورود ذلك إلى الله. وأما قوله :﴿فليتوكل المتوكلون﴾ فهو راجع إلى قولهم :(ولنصْبرنَّ على ما آذيتمونا) أي : نتوكل على الله في دفع أذاكم. هـ. وهو حسن، لكن التعبير بالمتوكلين يقتضي أن التوكل حاصل، والمطلوب الدوام
٣٦٠


الصفحة التالية
Icon