وقيل : إن هذه المقالة كانت حقيقة لسانِيَّة. رُوي أن قريشاً لما اجتمعت على المسير إلى بدر، ذكرت ما بينهم وبين بني كنانة من العداوة، فهموا بالرجوع عن المسير، فمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك الكناني، وقال : لا غالب لكم اليوم وإني جارٌ لكم، وإني مجيركم من بني كنانة، فلما رأى الملائكة تنزل نكص على عقبيه، وكانت يده في يد الحارث بن هشام، فقال له : إلى أين ؟ أتخذلنا في هذه الحالة ؟ فقال : إني أرى ما لا ترون، ودفع في صدر الحارث، فانطلق وانهزموا، فلما بلغوا مكة، قالوا : هزم النَّاسَ سُراقَةُ، فبلغه ذلك، فقال : والله ما شعرت بسيركم حتى بلغني هزيمتكم! فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
وعلى هذا، يحتمل أن يكون معنى قوله :﴿إني أخافُ الله﴾ أي : أخاف أن يصيبني مكروهاً من الملائكة، أو يهلكني، ويكون هذا الوقت هو الوقت الموعود، إذ رأى فيه ما
٣٥
لم ير قبله. والأول : ما قاله الحسن، واختاره ابن حجر. وقال الورتجبي : أي : إني أخاف عذاب الله، وذلك بعد رؤية البأس، ولا ينفع ذلك، ولو كان متحققاً في خوفه ما عصى الله طرفة عين. هـ.
وذكر ابن حجر عن البيهقي، عن عليّ ـ كرم الله وجهه ـ، قال : هبت ريح شديدة، فلم أر مثلها، ثم هبت ريح شديدة، وأظنه ذكر ثالثة، فكانت الأولى جبريل، والثانية : ميكائيل، والثالثة : إسرافيل، وكان ميكائيل عن يمين النبي ﷺ، وفيها أبو بكر، وإسرافيل عن يساره، وأنا فيها. وعن عليّ ايضاً : قيل ليَّ ولأبي بكر يوم بدر : مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يحضر لصف ويشهد القتال. انتهى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥
وقوله تعالى :﴿والله شديدُ العقاب﴾، يجوز أن يكون من كلام إبليس، وأن يكون مستأنفاً.