الإشارة : عادة الشيطان مع العوام أن يُغريهم على الطعن والإنكار على أولياء الله، وإيذائهم لهم، فإذا رأى غيرة الله على أوليائه نكص على عقبيه، وقال : إني منكم بريء ؛ إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٥
يقول الحق جل جلاله : واذكروا ﴿إذْ يقول المنافقون﴾ من أهل المدينة، أو نفر من قريش كانوا أسلموا وبقوا بمكة، فخرجوا يوم بدر مع الكفار، منهم : قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو القبس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن ربيعة بن الأسود، وعلي بن أمية بن خلف، ﴿و﴾ هم ﴿الذين في قلوبهم مرض﴾ أي : شك ؛ لم تطمئن قلوبهم، بل بقي فيها شبهة، قالوا :﴿غرَّ هؤلاء دينُهُم﴾ أي : اغتر المسلمون بدينهم، فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف. فأجابهم الحق تعالى بقوله :﴿ومن يتوكل على الله فإن الله عزيزٌ﴾ أي : غالب لا يذل من استجار به، وإن قلَّ، ﴿حكيمٌ﴾ يفعل بحكمته البالغة ما يستبعده العقل، ويعجز عن دركه الفهم.
الإشارة : إذا عظم اليقين في قلوب أهل التقى أقدموا على أمور عظام، تستغرب العادة إدراكها، أو يغلب العطب فيها، فيقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض : غرَّ هؤلاء طريقتهم، ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز لا يُغلبْ، ولا يُغلبْ من انتسب إليه، وتوكل في أموره عليه، حكيم فلا يَخرج عن حكمته وقدرته شيء، أو عزيز لا يُذل من استجار به، ولا يضيع من لاذ به، والتجأ إلى ذماره، حكيم لا يقصر عن تدبير من توكل
٣٦
على تدبيره، قاله في الإحياء. ثم قال : وكل ما ذكر في القرآن من التوحيد هو تنبيه على قطع الملاحظة عن الأغيار، والتوكل على الواحد القهار. هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦


الصفحة التالية
Icon