ثم ذكر مآل خيبهم بقوله :﴿من ورائه جهنمُ﴾ أي : أمامه وبين يديه، فإنه مرْصد بها، واقف على شفيرها في الدنيا، مبعوث إليها بعد الموت فيلقى فيها، ﴿ويُسقى من ماءٍ صديد﴾، وهو ما يسيل من جلود الكفارمن القيح والدم. ﴿يتجرَّعُه﴾ : يتكلف جرعه، أي : زهوقه في حلقه. رُوي :" أن الكافر يؤتى بالشربة منه فيتكرهها، فإذا أدْنيت منه شوت وجهه، وسقطت فيها فروة رأسه، فإذا شربها قطعت أمعاءه ". فيتجرعه ﴿ولا يكادُ يُسيغُه﴾ أي : لا يقارب أن يُسيغه، أي : يبتلعه بصعوبة فكيف يُسيغه، بل يكلف به ويطول عذابه ثم يبتلعه ؛ لأن نفي " كاد " يقتضي الوقوع. والسوغ : جواز الشراب على الحلق بسهولة، وهذا بخلافه. ﴿ويأتيه الموتُ﴾ أي : أسباب الموت ﴿من كل مكانٍ﴾ ؛ من أجل الشدائد التي تُحيط به من جميع الجهات. أو : من كل مكان من جسده حتى من أصول شعره وإبهام رجليه. ﴿وما هو بميت﴾ فيستريح، ﴿ومن ورائهِ﴾ : من بين يديه ﴿عذابٌ غليظ﴾ أي : يستقبل في كل وقت عذاباً أشد مما هو عليه، وقيل : هو الخلود في النار، وقيل : حبس الأنفاس في الأجساد. قاله الفضيل بن عياض. وقيل : قوله :﴿واستفتحوا﴾ : كلام منقطع عن قصة الرسل، بل نزل في أهل مكة حين استفتحوا بطلب المطر في السنة التي أخذتهم بدعوة الرسول ﷺ، فخيب الله رجاءهم ولم يسقهم، وأوعدهم أن يسقيهم ـ بَدَلاً من سقياهم المطر ـ صديدَ أهل النار. قال معناه البيضاوي.


الصفحة التالية
Icon