يقول الحق جل جلاله :﴿مَّثلُ﴾ أعمال ﴿الذين كفروا بربهم﴾ ؛ في عدم الانتفاع بها وذهابها :﴿كرمادٍ اشتدت به الريحُ﴾ في الهوى بسرعة ﴿في يومٍ عاصفٍ﴾ : شديد ريحه. والعصْف : اشتداد الريح. وصف به زمانه ؛ للمبالغة، كقولهم : نهاره صائم، وليله قائم. شبه صنائعهم ؛ من الصدقة، وصلة الرحم، وإغاثة الملهوف، وعتق الرقاب، ونحو ذلك من مكارمهم ؛ في حبوطها ـ لبنائها على غير أساس من الإيمان بالله، والتوجه بها إليه ـ بغبار طارت به الريح العاصفة ﴿في يوم عاصفٍ، لا يقْدرونَ﴾ يوم القيامة ﴿مما كسبوا﴾ من أعمالهم ﴿على شيءٍ﴾ من الانتفاع بها ؛ لحبوطها، وتلاشيها، فلا يقدرون منها على شيء، ولا يجدون ثوابها، وحيل بينهم وبين النفع، كما حالت الرياح بينك وبين ما تنسفه، فهو كما قيل : فذلكة التمثيل. ﴿ذلك﴾ ؛ إشارة إلى ضلالهم مع حسبانهم أنهم محسنون، ﴿هو الضلال البعيد﴾ أي : هو الغاية في البُعد عن طريق الحق.
الإشارة : العمل الذي يثبت لصاحبه هو الذي يصحبه الإخلاص في أوله، والإسرار في آخرِه، والتبري فيه من الحول والقوة، وفي الحديث عنه ﷺ أنه قال :" إنَّ الإبقَاءَ عَلَى العمل أشَدُّ مِنَ العمل، وإنَّ الرجلَ لَيَعْمَلُ العمل فيُكتب له عَمَلٌ صالحٌ، معمول به في السر، يضعِّف أجره بسبعين ضِعفاً، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويُعْلنه، فيكتب علانيته، ويمحى تضعيف أجره كله، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويُحب أن
٣٦٤
يُحمد عليه، فيُمحى من العلانية، ويكتب رياء، فاتقى الله امرؤ صان دينه، وإن الرياء شرك " وراه البيهقي.