يقول الحق جل جلاله :﴿وقال الشيطانُ﴾، أي إبليس الأقدم ﴿لمَّا قُضِي الأمرُ﴾ أي : أمر الحساب، وفزغ منه، ودخل أهل الجنةِ الجنة، وأهلُ النارِ النارَ. رُوي أنه يُنصب له منبر من نار، فيقوم خطيباً في النار على أهل النار، يعني على الأشقياء من الثقَلين، فيقول في خطبته :﴿إن الله وعدكم وعدَ الحق﴾، أي : وعداً حقاً أنجزه لكم، وهو وعد البعصث والجزاء، ﴿ووعدتكم﴾ وعد الباطل، وهو : ألاَّ بعث ولا حساب، وإن كان واقعاً شيء من ذلك فالأصنام تشفع لكم، ﴿فأخْلَفتكم﴾، أي : فظهر خلاف ما وعدتكم، جعل تبين خلف وعده كالإخلاف منه، مجازاً. ﴿وما كان لِيَ عليكم من سلطان﴾ ؛ من تسلط، فألجئكم إلى الكفر والمعاصي، ﴿إلا أن دعوتُكم﴾ ؛ إلا دعائي إياكم بتسويل وتزيين، ﴿فاستجبْتمْ لِي﴾، وهو ليس من جنس التسلط، لكنه تهكم بهم، على طريقة قوله :
٣٦٧
تَحِيَّةُ بَيْنِهِم ضَرْبٌ وَجِيعُ
ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً، أي : ما تسلطت عليكم بالقهر، لكن دعوتكم فأسرعتم إجابتي، ﴿فلا تلوموني﴾ ؛ فإنَّ من اشتهر بالعداوة لا يُلام على أمثال ذلك، ﴿ولُوموا أنفسكم﴾ ؛ حيث أطعتموني حين دعوتكم، ولم تطيعوا ربكم لما دعاكم. ولا حجة للمعتزلة في الآية على أن العبد يخلق أفعاله ؛ لأن كسب العبد مقدر في ظاهر الأمر، لقيام عالم الحكمة، وهو رداء لعالم القدرة، فالقدرة تبرز، والحكمة تستر، وهو ما يظهر من اختيار العبد، ولا اختيار له في الحقيقة ؛ قال تعالى ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الإنسان : ٣٠، التكوير : ٢٩] ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ا﴾ [الأنعام : ١١٢].