قلت :(كلمة طيبة) : يجوز أن يكون مفعولاً بمحذوف، أي : جعل كلمة، وتكون الجملة تفسيرية لضرب المثل، وأن تكون (كلمة) : بدلاً من (مَثَلاً)، و(شجرة) : صفة لها، أو خبر عن مضمر، أي : هي شجرة.
يقول الحق جل جلاله :﴿ألم تَرَ﴾ يا محمد، أو أيها السامع، ﴿كيف ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً﴾ لأهل " لا إله إلا الله "، وهم : أهل التوحيد، الذين رسخ التوحيد في قلوبهم، وعبّروا عنه بألسنتهم. فمثال الكلمة الطيبة التي نطقوا بها، ورسخ معناها في قلوبهم ﴿كشجرةٍ طيبةٍ﴾ : كالنخلة مثلاً، ﴿أصلُها ثابت﴾ في الأرض، غائص بعروقه فيها، ﴿وفروعها في السماء﴾ ؛ أي : أعلاها. أي : يريد الجنس، أي : فروعها وأفنانها في السماء، ﴿تُؤتي أًكُلُها﴾ : تُعطى ما يؤكل من ثمرها ﴿كل حين﴾ وقَّته الله لإثمارها، فقيل : سنة، وبه قال ابن عباس وجماعة من المفسرين والفقهاء، واستدلوا بها على من حلف لا يُكلم أخاه حيناً لزمه سنة، وعن ابن عباس أيضاً والضحاك وغيرهما :﴿كل حين﴾ ؛ أي : غدوة وعشية، ومتى أريد جناها، قلت : وهذا هو الظاهر.
واخْتُلف في هذه الشجرة الطيبة، التي ضرب الله بها المثل لكلمة الإخلاص، فقيل : غير معينة، وقيل : النخلة، وبه قال الجمهور. قال الشطيبي : وقيل : جوزة الهند، فإنها
٣٦٩
ثابت الأصل، متصلة النفع، يكون طعمها أولاً لبناً، ثم عسلاً، ثم تنعقد طعاماً، ويصنع بلبنها ما يصنع بلبن المواشي، ثم يكون كالخل، ثم كالخمر، ثم كالزيت، كل هذا قبل عقد الطعم، وأما النخلة فهي : ستة أشهر طلع رخص، وستة أشهر رطب طيب، فنفعه متصل. وقال ابو حنيفة : إنه ببلاد اليمن نوعٌ من التمر، يقال له : الباهين، يطعم السنة كلها. هـ. قلت : وقد ذكر ابن مقشب جوزة الهند، ووصفها كما قال الشطيبي، وقوله :" في النخلة ستة أشهر... " الخ، فيه نظر، وصوابه : ثلاثة، فإن المعاينة ترده.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣٦٩


الصفحة التالية
Icon